مَاكْبِث

مَاكْبِث

source: www.slantmagazine.com

فِي مَكَانٍ خَالٍ، عِنْدَمَا كَانَ الْبَرْقُ وَالرَّعْدُ يَمْلَآنِ الْأَرْضَ، اِجْتَمَعَتْ ثَلَاثُ سَاحِرَاتٍ. قَالَتِ السَّاحِرَةُ الْأُولَى: مَتَى سَوْفَ نَلْتَقِي مَرَّةً أُخْرَى؟ هَلْ سَنَلْتَقِي عِنْدَمَا نَسْمَعُ صَوْتَ الرَّعْدِ، أَوْ عِنْدَمَا نَرَى الْبَرْقَ، وَعِنْدَمَا نَلْمَسُ مَاءَ الْمَطَرِ؟

قَالَتِ السَّاحِرَةُ الثَّانِيَةُ: سَوْفَ نَلْتَقِي عِنْدَمَا تَنْتَهِي الْمَعْرَكَةُ، وَيَظْهَرُ النَّصْرُ، وَتَظْهَرُ الْهَزِيمَةُ.

قَالَتِ السَّاحِرَةُ الثَّالِثَةُ: سَوْفَ نَلْتَقِي قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فِي الْحَقْلِ.

قَالَتِ السَّاحِرَةُ الثَّانِيَةُ: سَوْفَ نُقَابِلُ مَاكْبِثَ.

وَفِي الْمَعْرَكَةِ، قَادَ مَكْدُونُوَالْدُ جَيْشَ الْمُتَمَرِّدِينَ الَّذِي دَعَمَهُ مَلِكُ النِّرْوِيجِ، وَقُوَّاتٌ مِنْ أَيْرلَنْدَا، وَقُوَّاتٌ مِنْ جُزُرِ الْهَبْرِيدِيزَ الَّتِي تَقَعُ فِي غَرْبِ أُسْكُوتْلَنْدَا. وَقَادَ مَاكْبِثُ جَيْشَ الْمَلِكِ دَانْكَانَ؛ مَلِكِ أُسْكُوتْلَنْدَا. كَانَ مَاكِبْثُ رَجُلًا بَاسِلًا وَشُجَاعًا، وَكَانَ يَجْرِي فِي الْمَعْرَكَةِ، وَسَيْفُهُ مَرْفُوعٌ. كَانَ سَيْفُهُ مُغْطًّى بِالدِّمَاءِ، وَكَانَ النَّاسُ يَظُنُّونَ أَنَّ الْبُخَارَ يَتَصَاعَدُ مِنْ تِلْكَ الدِّمَاءِ الَّتِي مَاتَ أَصْحَابُهَا بِسَبَبِ طَعَنَاتِ مَاكْبِثَ الْقَوِيَّةِ. طَعَنَ الْقَائِدُ مَاكْبِثُ قَائِدَ الْمُتَمَرِّدِينَ مَكْدُونُوالْدَ، فَهَرَبَ الْأَيْرِلَنْدِيُونَ. تَقَدَّمَ مَلِكُ النَّرْوِيجِ بِجَيْشِهِ؛ كَيْ يُهَاجِمَ جَيْشَ مَلِكُ أُسْكُوتْلَنْدَا. رَاحَ الْقَائِدُ مَاكْبِثُ يُهَاجِمُ النِّرْوِيجِيِيْنَ بِقُوَّةٍ. كَانَ يَقِفُ إِلَى جِوَارِ مَلِكِ النِّرْويجِ الْخَائِنُ سَيِّدُ كُودُورَ؛ وَعِنْدَمَا رَآهُ مَاكِبْثُ، شَعَرَ بِغَضَبٍ قَوِيٍّ. تَقَدَّمَ مَاكِبْثُ فِي الْمَعْرَكَةِ، وَهُوَ يُلَوِّحُ بِسَيْفِهِ.

اِنْتَصَرَ جَيْشُ أُسْكُوتْلَنْدَا. طَلَبَ مَلِكُ النِّرْويجِ الصُّلْحَ، وَأَرَادَ أَنْ يَدْفِنَ رِجَالَهُ، لَكِنَّ الْأُسْكُوتْلَنْدِيِينَ مَنَعُوهُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَرُوهُ أَنْ يَدْفَعَ عَشَرةَ أَلْفِ دُولَارٍ قَبْلَ أَنْ يَدْفِنَ رِجَالَهُ. حَكَمَ الْمَلِكُ دَانْكَانُ عَلَى الْخَائِنِ سَيِّدِ كُودُورَ بِالْإِعْدَامِ، وَجَعَلَ مَاكْبِثُ سَيِّدًا لِكُودُورَ.

وَفِي أَحَدِ الْحُقُولِ الْقَرِيبَةِ مِنْ أَرْضِ الْمَعْرَكَةِ، اِرْتَفَعَ صَوْتُ الرَّعْدِ، فَظَهَرَتِ السَّاحِرَاتُ الثَّلَاثُ. تَحَدَّثَتِ السَّاحِرَاتُ قَلِيلًا؛ وَعِنْدَمَا سَمِعْنَ صَوْتَ الطَّبْلِ، صَمَتْنَ لِأَنَّ مَاكْبِثَ سَوْفَ يَصِلُ قَرِيبًا.

مَشَى مَاكْبِثُ مَعَ الْقَائِدِ بَانْكُوَ فِي الْحَقْلِ، وَهُمَا يَتَحَدَّثَانِ. فَجْأَةً، صَمَتَ بَانْكُو، وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى السَّاحِرَاتِ. سَأَلَ بَانْكُو مَاكْبِثَ: مَنْ هَؤُلَاءِ النِّسَاءُ؟ إِنَّ مَلَابِسَهُنَ قَدِيمَةٌ وَمُتَّسِخَةٌ، وَوُجُوهُهُنَ مُتَّسِخَةٌ. إِنَّهُنَ لَا يُشْبِهْنَ الْأَحْيَاءَ يَا مَاكْبِثُ.

نَادَى بَانْكُو النِّسَاءَ: مَنْ أَنْتُنَّ؟ هَلْ أَنْتُنَّ مِنَ الْأَحْيَاءِ؟ هَلْ تَفْهَمْنَ كَلَامِي؟

لَمْ تَتَكَلَّمِ السَّاحِرَاتُ. اِقْتَرَبَ مَاكْبِثُ مِنَ السَّاحِرَاتِ، وَقَالَ: تَكَلَّمْنَ! مَنْ أَنْتُنَّ؟

قَالَتِ السَّاحِرَةُ الْأُولَى: نُقَدِّمُ لَكَ تَحِيَّةً يَا مَاكْبِثُ، يَا سَيِّدَ جِلَامْسَ.

قَالَتِ السَّاحِرَةُ الثَّانِيَةُ: نُقَدِّمُ لَكَ تَحِيَّةً يَا مَاكْبِثُ، يَا سَيِّدَ كُودُورَ.

قَالَتِ السَّاحِرَةُ الثَّالِثَةُ: نُقَدِّمُ لَكَ تَحِيَّةً يَا مَاكْبِثُ، يَا مَلِكَ الْمُسْتَقْبَلِ.

خَافَ مَاكْبِثُ وَصَمَتَ، فَسَأَلَهُ بَانْكُو: لِمَاذَا أَصْبَحَ وَجْهُكَ يُشْبِهُ الْمَوْتَى يَا مَاكْبِثُ؟ إِنَّ كَلَامَ هَؤُلَاءِ النِّسَاءِ يَبْعَثُ الْأَمَلَ. أَخْبِرْنَنِي عَنْ مُسْتَقْبَلِي أَنَا.

نَظَرَتِ السَّاحِرَاتُ إِلَى بَانْكُو، ثُمَّ قَالَتِ السَّاحِرَةُ الأُولَى: تَحِيَّةٌ لَكَ يَا بَانْكُو. أَنْتَ أَقَلُّ شَأْنًا مِنْ مَاكْبِثَ لَكِنَّكَ أَعْظَمُ مَكَانَةً.

قَالَتِ السَّاحِرَةُ الثَّانِيَةُ: تَحِيَّةٌ لَكَ يَا بَانْكُو. أَنْتَ أَقَلُّ سَعَادَةً مِنْهُ، لَكِنَّكَ سَعِيدٌ.

قَالَتِ السَّاحِرَةُ الثَّالِثَةُ: تِحِيَّةٌ لَكَ يَا بَانْكُو. لَنْ تَكُونَ مَلِكًا، لَكِنَّكَ سَوْفَ تُنْجِبُ الْمُلُوكَ.

لَمْ يُصَدِّقْ مَاكْبِثُ كَلَامَ السَّاحِرَاتِ، وَقَالَ: لَا يُمْكِنُ أَنْ أُصْبِحَ سَيِّدَ كُودُورَ؛ لِأَنَّ سَيِّدَهَا حَيٌّ، أَمَّا أَنْ أَصْبِحَ مَلِكًا فَهَذَا خَيَالٌ. قُلْنَ مَاذَا تُرِدْنَ مِنَّا!

اِخْتَفَتِ السَّاحِرَاتُ، فَرَاحَ بَانْكُو يَبْحَثُ عَنْهُنَّ، وَهُوَ يَسْأَلُ: كَيْفَ اِخْتَفَيْنَ؟ فِي الْأَرْضِ؟ أَوْ فِي السَّمَاءِ؟ هَلْ تُصَدِّقُ كَلَامِهُنَ يَا مَاكْبِثُ؟ سَوْفَ تُصْبِحُ مَلِكًا!

اِبْتَسَمَ مَاكْبِثُ لِصَاحِبِهِ وَقَالَ: وَأَنْتَ سَوْفَ يُصْبِحُ أَبْنَاؤُكَ مُلُوكًا.

سَمِعَ مَاكْبِثُ وَبَانْكُو صَوْتَ خُطُوَاتٍ عَلَى الْحَقْلِ، فَالْتَفَتَا. رَأَى مَاكْبِثُ رَجُلَيْنِ قَادِمَيْنِ نَحْوَهُمَا. قَالَ الرَّجُلُ الْأَوَّلُ، رُوسُ: تَحِيَّةٌ لَكَ يَا مَاكْبِثُ. لَقَدْ رَاقَبَ الْمَلِكُ، وَهُوَ فِي الْمُعَسْكَرِ مَا فَعْلَتَهُ فِي الْمَعْرَكَةِ. وَلَقَدْ وَصَلَ إِلَيْنَا الرُّسُلُ؛ كَيْ يُخْبِرُوا الْمَلِكَ عَنْ شَجَاعَتِكَ وَقُوَّتِكَ.

قَالَ الرَّجُلُ الثَّانِي، أَنْجُوسُ: لَقَدْ أَرْسَلَنَا الْمَلِكُ إِلَيْكَ؛ كَيْ نُخْبِرَكَ أَنَّهُ يَشْكُرُكَ وَيُرِيدُ أَنْ يُكَافِئَكَ.

قَالَ رُوسُ: لَقَدْ أَمَرَنَا الْمَلِكُ أَنْ نُخَاطِبَكَ بِلَقَبِكَ الْجَدِيدِ. لَقَدْ مَنَحَكَ الْمَلِكُ لَقَبَ سَيِّدِ كُودُورَ، بَعْدَ أَنْ حَكَمَ عَلَى الْخَائِنِ بِالْمَوْتِ.

شَعَرَ مَاكْبِثُ وَبَانْكُو بِالدَّهْشَةِ. شَكَرَ مَاكْبِثُ الرَّجُلَيْنِ، وَمَشَى هُوَ وَبَانْكُو مَعَهُمَا. وَفِي الطَّرِيقِ، رَاحَ مَاكْبِثُ يُفَكِّرُ: مَا هَذَهِ النُّبُوءَةُ الَّتِي قَالَتْهَا أُولَئِكَ النِّسَاءُ؟ إِنَّ هَذَا شَرٌّ كَبِيرٌ، لَكِنْ لِمَاذَا أَجِدُ فِي نَفْسِي سَعَادَةً كَبِيرَةً؟ إِنَّنِي اِبْنُ خَالَةِ الْمَلِكَ، هَلْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أُصْبِحَ مَلِكًا؟ هَذَا لَيْسَ صَعْبًا؛ كُلُّ مَا أَحْتَاجُهُ هُوَ أَنْ أُبْعِدَ الْمَلِكَ مِنَ الْحَيَاةِ.

وَصَلَ مَاكْبِثُ وَبَانْكُو إِلَى قَصْرِ الْمَلِكِ، فَاِسْتَقْبَلَهُمَا الْمَلِكُ، وَهُوَ سَعِيدٌ. شَكَرَ الْمَلِكُ مَاكْبِثَ وَبَانْكُوَ: أَنَا أَشْعُرُ أَنَّ شُكْرِي لَكُمَا لَيْسَ كَافِيًا. لَقَدْ فَعَلْتَ الْكَثِيرَ لِي يَا مَاكْبِثُ. إِنَّكَ تَسْتَحِقُ كَثِيرًا مِنَ الشُّكْرِ. وَلِأَنِّي أُقَدِّرُكَ، سَوْفَ تَسْتَضِيفُنَا فِي قَلْعَتِكَ يَا سَيِّدَ كُودُورَ.

قَالَ مَاكْبِثُ: إِنَّهُ شَرَفٌ عَظِيمٌ يَا مَوْلَاي.

قَالَ الْمَلِكُ: وَبِمُنَاسَبَةِ اِنْتِصَارِنَا، وَهَذِهِ السَّعَادَةِ الَّتِي تَلُفُّنَا، وَهَذَا الشَّرَفُ الَّذِي أَعْطَيْنَاهُ لِسَيِّدِ كُودُورَ؛ أُرِيدُ أَنْ أُعْلِنَ اِبْنِي مَالْكُولُمَ وَرِيثًا لِلْعَرْشِ، وَسَوْفَ نُنَادِيهِ بِلَقَبِ أَمِيرِ كَمْبِرْلَانْدَ.

قَالَ مَاكْبِثُ: إِنَّهُ يَوْمٌ سَعِيدٌ يَا مَوْلَاي. هَلْ تَسْمَحُ لِي أَنْ أَسْبِقَكُم؛ كَيْ أُخْبِرَ السَّيِّدَةَ مَاكْبِثَ عَنِ الشَّرَفِ الْعَظِيمِ الَّذِي أَعْطَيْتَنَا.

اِبْتَسَمَ الْمَلِكُ وَقَالَ: نَعَم. اِذْهَبْ يَا سَيِّدَ كُودُورَ. سَوْفَ نَكُونُ خَلْفَكَ.

خَرَجَ مَاكْبِثُ، وَهُوَ يُفَكِّرُ: أَمِيرُ كَمْبْرْلَاندَ؟ كَيْفَ سَوْفَ أَحُلُّ هَذِهِ الْمُشْكِلَةَ؟ يَجِبُ أَنْ لَا يَعْرِفَ أَحَدٌ طُمُوحِي.

أَرْسَلَ مَاكْبِثُ إِلَى زَوْجَتِهِ رِسَالَةً، أَخْبَرَهَا فِيهَا عَنِ السَّاحِرَاتِ، فَفَرِحَتِ الزَّوْجَةُ وَقَالَتْ لِنَفْسِهَا: إِنَّكَ تَسْتَحِقُّ كُلَّ الْمُلْكِ يَا زَوْجِي، لَكِنَّكَ إِنْسَانٌ طَيِّبٌ، تُحِبُّ أَنْ تَحْصُلَ عَلَى الْمُكَافَآتِ عِنْدَمَا تَسْتَحِقُّهَا. لَا! لَنْ أَسْمَحَ لَكَ أَنْ تَتَرُكَ الْمُلْكَ يَتَسَرَّبُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْكَ الْقَوِيَّتَيْنِ. تَعَالِي أَيَّتُهَا الْأَرْوَاحُ، وَاِجْعَلِي فِي قَلْبِي الْقَسْوَةَ بَدَلًا مِنَ الرَّحْمَةِ، وَاِبْعِدِي عَنِّي النَّدَمَ؛ كَيْ أَقُومَ بِالْجَرِيمَةِ وَأَنَا قَوِيَّةٌ.

وَصَلَ مَاكْبِثُ إِلَى قَلْعَتِهِ، فَاِسْتَقْبَلَتْهُ الزَّوْجَةُ بِسَعَادَةٍ، وَقَالَتْ: اُتْرُكْنِي أَقُومُ بِكُلِّ الْأُمُورِ اللَّيْلَةَ. لَنْ يَرَى دَانْكَانُ الصَّبَاحَ غَدًا. إِذَا نَجَحْنَا فِي خُطَّتِنَا هَذِهِ اللَّيْلَةَ، فَسَوْفَ نَكُونُ سُعَدَاءَ بَقِيَّةَ لَيَالِ عُمْرِنَا. لَا تَخَفْ يَا سَيِّدَ كُودُورَ، وَلَا تَجْعَلِ الْخَوْفَ يَظْهَرُ عَلَى وَجْهِكَ اللَّيْلَةَ.

خَرَجَتِ الزَّوْجَةُ كَيْ تَسْتَقْبِلَ الْمَلِكَ وَالْحَاشِيَةَ. قَالَ الْمَلِكُ: سَامِحِينَا يَا سِيِّدَةَ مَاكْبِثَ. لَقَدْ أَزْعَجْنَاكِ بِهَذِهِ الزِّيَارَةِ.

قَالَتِ السَّيِّدَةُ مَاكْبِثُ: لَوْ بَقِيتَ هُنَا فِي ضِيَافَتِي طَوَالَ عُمْرِكَ يَا مَوْلَايَ، فِإِنَّ خِدْمَتِي لَكَ سَوْفَ تَكُونُ صَغِيرَةً أَمَامَ كُلِّ مَا أَعْطَيْتَنَا. إِنَّنِي أَشْكُرُكَ لِأَنَّكَ أَعْطَيْتَنَا شَرَفَ ضِيَافَتِكَ يَا مَوْلَايَ دَانْكَانُ الْعَظِيمَ.

وَعِنْدَمَا كَانَ الْمَلِكُ دَانْكَانُ يَتَنَاوَلُ الطَّعَامَ هُوَ وَالْحَاشِيَةُ، قَامَ مَاكْبِثُ وَخَرَجَ مِنَ الْغُرْفَةِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَشْعُرُ بِالْأَلَمِ، فَرَاحَ يُكَلِّمُ نَفْسَهُ: لَا، لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَفْعَلَ هَذَا. لَوْ وَضَعْتُ لَهُ السُّمَّ فِي شَرَابِهِ فَسَوْفَ أَشْرَبُ مِنْ تِلْكَ الْكَأْسِ دُونَ أَنْ أَدْرِيَ. إِنَّهُ ضَيْفِي، وَيَجِبُ أَنْ أَحْمِيَهُ مِنَ الشَّرِّ، لَكِنَّنِي أُفَكِّرُ الْآنَ فِي قَتْلِهِ! أَيُّ جَرِيمَةٍ هَذِهِ! إِنَّهُ مَلِكٌ فَاضِلٌ، وَلَمْ يَتَكَبَّرْ عَلَى أَحَدٍ أَبَدًا، وَلَقَدْ قَرَّبَنِي مِنْهُ، وَأَعْطَانِي الْكَثِيرَ، وَوَثِقَ بِي. إِنَّنِي أَخُونُهُ! يَجِبُ أَنْ أَتَوَقَّفَ!

خَرَجَتِ الزَّوْجَةُ مِنَ الْغُرْفَةِ؛ كَيْ تَلْحَقَ بِمَاكْبِثَ. سَأَلَتِ الزَّوْجَةُ: لِمَاذَا خَرَجْتَ؟ لَقَدْ سَأَلَ دَانْكَانُ عَنْكَ. يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَسْرُورًا، لَا مَهْمُومًا. إِنَّ جَبِينَكَ يَنْضَحُ عَرَقًا كَأَنَّكَ مَرِيضٌ. سَوْفَ يَشُكُّ الْجَمِيعُ بِكَ.

قَالَ مَاكْبِثُ: لَنْ أَفْعَلَ تِلْكَ الْجَرِيمَةَ. لَقَدْ كَرَّمَنِي الْمَلِكُ وَكَافَأَنِي؛ أَنَا لَنْ أَخُونَهُ. إِنَّ لَدَيَّ سُمْعَةً طَيِّبَةً بَيْنَ النَّاسِ. أَنَا لَا أُرِيدُ أَنْ أَفْقِدَ هَذِهِ السُّمْعَةَ أَبَدًا!

قَالَتِ الزَّوْجَةُ: مَا هَذَا الْكَلامُ؟ هَلْ تَخَلَّصْتَ مِنْ طُمُوحِكَ بِهَذِهِ السُّرْعَةِ؟ أَنْتَ قَوِيٌّ لَكِنَّكَ جَبَانٌ. مَا فَائِدَةُ طُمُوحِكَ، وَأَنْتَ لَا تَمْلِكُ الشَّجَاعَةَ؟ أَنْتَ تُشْبِهُ القِطَّ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَصْطَادَ سَمَكَةً لَكِنَّهُ يَخَافُ أَنْ يَتَبَلَّلَ بِالْمَاءِ. أَنْتَ جَبَانٌ!

قَالَ مَاكْبِثُ: كَفَى! أَنَا رَجُلٌ شُجَاعٌ وَقَوِيٌّ.

قَالَتِ الزَّوْجَةُ: لَمَاذَا قُلْتَ إِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ؟ إِنَّ عَلَيْكَ أَنْ تَحْصُلَ عَلَى الْمُلْكِ. أَبْعِدِ الرَّحْمَةَ مِنْ قَلْبِكَ؛ كَيْ تَحْصُلَ عَلَى مَا تُرِيدُ.

سَأَلَ مَاكْبِثُ: أَنَا خَائِفٌ أَنْ نَفْشَلَ.

قَالَتِ الزَّوْجَةُ: لَنْ نَفْشَلَ أَبَدًا. سَوْفَ نَجْعَلُ الْحَارِسَيْنِ يَشْرَبَانِ الْخَمْرَ حَتَّى يَنَامَا. ثُمَّ سَوْفَ نَدْخُلُ لِنَقْتُلَ دَانْكَانَ، وَنَضَعُ الدَّمَّ فِي مَلَابِسِ الْحَارِسَيْنِ وَأَيْدِيهِمَا. سَوْفَ نَصْرُخُ بَعْدَهَا بِحُزْنٍ وَأَلَمٍ.

قَالَ مَاكْبِثُ: نَعَمْ. وَالْآنَ، يَا زَوْجَتِي، سَوْفَ نَعُودُ إِلْى الْمَلِكِ، وَنَحْنُ سَعِيدَانِ.

وَبَعْدَ مُنْتَصِفِ اللَّيْلِ، نَامَ الْحَارِسَانِ بَعْدَ أَنْ وَضَعِتِ الزَّوْجَةُ مُخَدِّرًا فِي الْخَمْرِ. ثُمَّ دَخَلَ مَاكْبِثُ وَقَتَلَ دَانْكَانَ، وَعِنْدَمَا خَرَجَ كَانَ وَجْهُهُ شَاحِبًا، وَكَانَ الدَّمُّ يُغَطِّي يَدَيْهِ. مَدَّ مَاكْبِثُ يَدَيْهِ، وَقَالَ: إِنَّهُمَا بَشِعَتَانِ!

قَالَتِ الزَّوْجَةُ: هَلْ قَتَلْتَهُ؟ كَيْفَ تَقُولُ عَنْ يَدَيْنِ شُجَاعَتَيْنِ هَذَا الْكَلَامَ؟! لَقَدْ سَمِعْتُكَ تَتَكَلَّمُ، هَلْ رَآكَ أَحَدٌ؟

رَفَعَ مَاكْبِثُ بَصَرَهُ إِلَى زَوْجَتِهِ وَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُهُمَا. صَاحَ وَاحِدٌ: جَرِيمَةٌ! فَقَالَ الثَّانِي: رَحِمَهُ اللَّهُ. أَنَا لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَقُولَ آمِينَ. لِمَاذَا لَمْ أَسْتَطِعْ؟ لَقَدْ صَاحَ صَوْتٌ فِي الْقَلْعَةِ: لَنْ تَعْرِفَ النَّوْمَ الْبَرِيْءَ أَبَدًا يَا مَاكْبِثُ. لَنْ تَعْرِفَ النَّوْمَ طَوَالَ حَيَاتِكَ!

سَأَلَتِ الزَّوْجَةُ: عَنْ مَاذَا تَتَكَلَّمُ؟ إِنَّهَا خَيَالَاتٌ. هَلْ هُنَالِكَ أَحَدٌ فِي الْغُرْفَةِ؟ نَعْم، خَادِمَا دَانْكَانَ. رُبَّمَا رَآكَ الْخَادِمَانِ. اِذْهَبْ فِاقْتُلْهُمَا.

وَعِنْدَمَا رَفَضَ مَاكْبِثُ، ذَهَبَتِ الزَّوْجَةُ وَقَتَلَتِ الْخَادِمَيْنِ. عَادَتِ الزَّوْجَةُ وَالدِّمَاءُ تُغَطِّي يَدَيْهَا، قَالَتْ: إِنَّ الدِّمَاءَ تُغَطِّي يَدَيَّ، لَكِنِّي لَا أَخَافُ وَلَا أَتَخَيَّلُ مِثْلَكَ. هَيَّا، تَعَالَ. سَوْفَ نَغْسِلُ أَيْدِيَنَا، وَنُغَيِّرُ ثِيَابَنَا. سَوْفَ نَنَامُ.

وَبَعْدَ سَاعَةٍ، حَضَرَ إِلَى الْقَلْعَةِ اِثْنَانِ مِنَ النُّبَلَاءِ، مَكْدَفَ وَلِينُوكْسَ؛ لِأَنَّ الْمَلِكَ أَمَرَهُمَا بِالْقُدُومِ صَبَاحًا. مَشَى مَاكْبِثُ فِي الْقَلْعَةِ مَعَ مَكْدَفَ وَلِينُوكْسَ، حَتَّى وَصَلُوا إِلَى بَابِ غُرْفَةِ الْمَلِكِ، فَقَالَ مَاكْبِثُ: هَذِهِ غُرْفَةُ الْمَلِكِ. يُمْكِنُكَ الدُّخُولُ يَا مَكْدَفُ. سَوْفَ أَنْتَظِرُكَ مَعَ لِينُوكْسَ هُنَا.

دَخَلَ مَكْدَفُ، فَسَأَلَ لِينُوكْسُ مَاكْبِثَ: هَلْ سَيُغَادِرُ الْمَلِكُ الْيَوْمَ؟

أَجَابَ مَاكْبِثُ: نَعَم، لَقَدْ قَالَ ذَلِكَ أَمْسِ.

وَفَجْأَةً، سَمِعَا مَكْدَفَ يَصِيحُ، قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْغُرْفَةِ، وَوَجْهُهُ أَبْيَضُ: مَا هَذَا! لَقَدْ قُتِلَ الْمَلِكُ! شَخْصٌ قَتَلَ الْمَلِكَ! اُضْرُبُوا النَّوَاقِيسَ! إِنَّهَا مُصِيبَةٌ! لَقَدْ قَتَلُوا الْمَلِكَ، وَهُوَ نَائِمٌ!

دَخَلَ مَاكْبِثُ، وَهُوَ يَصِيحُ: يَقْتُلُونَ الْمَلِكَ فِي قَلْعَتِي؟ مَنِ الْقاتِلُ؟ مَاذَا حَدَثَ؟ وَعِنْدَمَا رَأَى الْمَلِكَ، وَهُوَ مَقْتُولٌ فِي فِرَاشِهِ، صَاحَ: مَنْ هُوَ الْمُجْرِمُ؟ اُضْرُبُوا النَّاقُوسَ! لَقَدْ مَزَّقُوا جَسَدَهُ الطَّاهِرَ!

ضَرَبَ الْخَدَمُ النَّاقُوسَ؛ فَخَرَجَ الرِّجَالُ مِنْ غُرَفِهِم، وَخَرَجَتِ السَّيِّدَةُ مَاكْبِثُ، وَهِيَ بِثِيَابِ نَوْمِهَا: مَاذَا حَصَلَ؟ أَخْبِرُونِي. لِمَاذَا تَضْرِبُونَ هَذَا النَّاقُوسَ الْمُخِيفَ؟

وَحِينَمَا عَلِمَتِ الزَّوْجَةُ بِالْخَبَرِ، أُغْمِيَ عَلَيْهَا. سَأَلَ وَرِيثُ الْعَرْشِ، مَالْكُولُمُ، مَاكْبِثَ: مَنْ قَتَلَ أَبِي؟

أَجَابَ مَاكْبِثُ: قَتَلَهُ الْحَارِسَانِ. إِنَّ مَلَابِسَهُمَا مُغَطَّاةٌ بِالدَّمِ، وَخِنْجَرَاهُمَا فِي جَسَدِ دَانْكَانَ الطَّاهِرِ. لَمْ يَتَكَلَّمَا، وَهُمَا يَنْظُرَانِ إِلَى جَسَدِ مَلَكِي الْعَظِيمِ الطَّاهِرِ؛ فَغَضِبْتُ وَقَتَلْتُهُمَا. لَمْ أَشْعُرْ بِنَفْسِي. كَانَ يَجِبُ أَنْ أَسْأَلَهُمَا مَنِ الْقَاتِلُ؟ مَاذَا فَعَلْتُ؟ مَنْ قَتَلَ مَوْلَايَ الْعَظِيمَ؟ أُقْسِمُ أَنْ أَقْتُلَهُ. تَعَالُوا، أَيُّهَا السَّادَةُ كَيْ نَجْتَمِعَ وَنُفَكِّرَ فِي الْقَاتِلِ.

وَقَفَ اِبْنَا الْمَلِكِ الْمَقْتُولِ أَمَامَ بَابِ غُرْفَةِ أَبِيهِمَا. قَالَ مَالْكُولُمُ: إِنَّهُم كَاذِبُونَ فِي الْحُزْنِ يَا أَخِي. إِنَّ الْخِنْجَرَ الَّذِي قَتَلَ أَبَانَا سَوْفَ يَقْتُلُنَا. لِمَاذَا نَبْقَى مَعَهُم؟ سَوْفَ يَكْذِبُونَ فِي حُزْنِهِم. هَيَّا يَا أَخِي دُونَالْبِينُ، سَوْفَ نُغَادِرُ هَذَا الْمَكَانَ الَّذِي لَا يَحْمِلُ أَيَّ رَحْمَةٍ. أَنَا سَوْفَ أَذْهَبُ إِلَى إِنْجِلْتِرَا.

قَالَ الْأَخُ دُونَالْبِينُ: وَأَنَا سَوْفَ أَذْهَبُ إِلَى أَيْرَلَنْدَا. لَقَدْ قَتَلَ أَبَانَا أَحَدُ هَؤُلَاءِ الرِّجَالِ.

خَرَجَ الْاِبْنَانِ مِنَ الْقَلْعَةِ دُونَ أَنْ يَعْلَمَ أَحَدٌ. وَعَنْدَمَا اِكْتَشَفُوا رَحِيلَهُمَا، ظَنَّ الْجَمِيعُ أَنَّهُمَا الْقَاتِلَانِ. وَبِسَبَبِ هُرُوبِ وَرِيثِ الْعَرْشِ، أَصْبَحَ مَاكْبِثُ، قَرِيبُ الْمَلِكِ السَّابِقِ، مَلِكًا.

اِنْتَقَلَ الْمَلِكُ مَاكْبِثُ وَزَوْجَتُهُ الْمَلِكَةُ إِلَى الْقَصْرِ الْمَلَكِي، وَهُنَاكَ دَعَا مَاكْبِثُ النُّبَلَاءَ إِلَى وَلِيمَةٍ فِي الْمَسَاءِ، وَطَلَبَ مِنْ بَانْكُوَ أَنْ يَحْضُرَ، فَقَالَ بَانْكُو: لَا تَقْلَقْ يَا مَوْلَاي، سَوْفَ أَحْضُرُ بَعْدَ أَنْ أَنْتَهِيَ مِنْ جَوْلَتِي مَعَ اِبْنَي. سَوْفَ نَتَأَخَّرُ سَاعَةً أَوْ سَاعَتَيْنِ.

نَظَرَ بَانْكُو إِلَى وَجْهِ مَاكْبِثَ، وَقَالَ لِنَفْسِهِ: لَقَدْ أَصْبَحْتَ مَلِكًا بِسُرْعَةٍ، يَا مَاكْبِثُ. أَنَا مُتَأَكِّدٌ أَنَّكَ دَفَعْتَ ثَمَنًا كَبِيرًا؛ كَيْ تَصِلَ إِلَى هَذَا الْعَرْشِ... فِي النِّهَايَةِ، يَا صَاحِبِي، سَوْفَ يَنْتَقِلُ الْمُلْكُ إِلَى أَبْنَائِي.

وَبَعْدَ أَنْ خَرَجَ بَانْكُو، قَالَ مَاكْبِثُ لِنَفْسِهِ: لَقَدْ قَتَلْتُ رَجُلًا طَيِّبًا؛ كَيْ أُصْبِحَ مَلِكًا، لَكِنَّ أَبْنَاءَ بَانْكُوَ هُمْ فَقَطْ مَنْ سَوْفَ يَحْصُلُونَ عَلَى الْمُلْكِ مِنْ بَعْدِي. هَذَا لَيْسَ عَدْلًا؛ الدَّمُ يُغَطِّي يَدَيَّ أَنَا! التَّاجُ عَلَى رَأْسِي، لَكِنِّي لَا أَشْعُرُ بِالسَّعَادَةِ. لِمَاذَا؟ لَنْ أَسْمَحَ لِأَبْنَاءِ بَانْكُوَ وَأَحْفَادِهِ أَنْ يَحْصُلُوا عَلَى الْمُلْكِ مِنْ بَعْدِي.

دَخَلَ الْخَادِمُ عَلَى مَاكْبِثَ وَأَخْبَرَهُ أَنَّ رَجُلَيْنِ ضَخْمَيْنِ يُرِيدَانِ الدُّخُولِ، فَقَالَ مَاكْبِثُ: أَدْخِلْهُمَا. لَقَدْ طَلَبْتُ حُضُورَهُمَا قَبْلَ يَوْمَيْنِ.

وَعِنْدَمَا دَخَلَ الرُّجُلَانِ، أَمَرَهُمَا مَاكْبِثُ أَنْ يَنْتَظِرَا بَانْكُوَ خَارِجَ الْقَصْرِ وَيَقْتُلَاهُ هُوَ وَاِبْنَهُ فِلْيَانْسَ. فَخَرَجَ الْقَاتِلَانِ وَرَاحَا يَنْتَظِرَانِ بَانْكُوَ. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، رَاحَ النُّبَلَاءُ يَصِلُونَ إِلَى الْقَصْرِ؛ كَيْ يَحْضُرَوا الْوَلِيمَةَ. وَعِنْدَمَا كَانَ النُّبَلَاءُ يَتَنَاوَلُونَ الطَّعَامَ، كَانَ مَاكْبِثُ يَشْعُرُ بِالْقَلَقِ لِأَنَّ الْقَاتِلِانِ لَمْ يَعُودَا؛ كَيْ يُخْبِرَاهُ بِمَا جَرَى. سَأَلَ النُّبَلَاءُ الْمَلِكَ: مَا الَّذِي يَشْغَلُ بَالَكَ يَا مَوْلَايَ؟

أَجَابَ مَاكْبِثُ: أَنَا قَلِقٌ عَلَى بَانْكُوَ؛ لَقَدْ تَأَخَّرَ. إِنَّي أَخَافُ أَنْ يُصِيبَهُ شَرٌّ.

قَالَ أَحَدُ النُّبَلَاءِ: لَقَدْ وَعَدَ أَنْ يَأْتِيَ. رُبَّمَا مَنَعُهَ الظَّلَامُ مِنَ الْوُصُولِ بِسُرْعَةٍ.

وَفِي خَارِجِ الْقَصْرِ، أَظْلَمَتِ السَّمَاءُ، وَلَمْ يَعُدْ بَانْكُو. وَبَعْدَ مُدَّةٍ، سَمِعَ الْقَاتِلَانِ صَوْتَ حَوَافِرَ حِصَانَيْنِ؛ فِاِسْتَعَدَّا. وَعِنْدَمَا دَخَلَ بَانْكُو وَاِبْنُهُ فِلْيَانْسُ إِلَى الْقَصْرِ، وَهُمَا يَحْمِلَانِ مِشْعَلًا، جَرَى الْقَتَلَةَ نَحْوَهُمَا، وَأَمْسَكَا بَانْكُو، فَصَاحَ: إِنَّهُ الْغَدْرُ! اُهْرُبْ يَا بُنَيُّ!

هَرَبَ الْاِبْنُ فِلْيَانْسُ، فَعَادَ الْقَتَلَةُ إِلَى الْقَصْرِ. قَالَ الْقَاتِلُ الْأَوَّلُ: سَوْفَ يَغْضَبُ مَوْلَانَا الْمَلِكُ لِأَنَّنَا لَمْ نَقْتُلِ الْاِبْنَ. وَعِنْدَمَا عَرَفَ مَاكْبِثُ أَنَّ بَانْكُوَ مَاتَ، شَعَرَ بَالْفَرَحِ، لَكِنَّهُ غَضِبَ لِأَنَّ الْاِبْنَ هَرَبَ. وَعِنْدَمَا كَانَ مَاكْبِثُ مَشْغُولًا بِالتَّفْكِيرِ، دَخَلَ شَبَحُ بَانْكُوَ إِلَى الْقَاعَةِ وَجَلَسَ فِي كُرْسِيِّ مَاكْبِثَ.

طَلَبَ النُّبَلَاءُ مِنْ الْمَلِكِ مَاكْبِثَ أَنْ يَجْلِسَ، فَقَالَ: أَيْنَ أَجْلِسُ؟ كُلُّ الْكَرَاسِي مَشْغُولَةٌ. أَشَارَ النُّبَلَاءُ إِلَى كُرْسِي مَاكْبِثَ؛ وَعِنْدَمَا اِلْتَفَتَ، رَأَى شَبَحَ بَانْكُوَ جَالِسًا هُنَاكَ؛ فَصَاحَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ لَا تَتَّهِمْنِي! لَا تَهُزَّ رَأْسَكَ هَكَذَا!

قَالَ أَحَدُ النُّبَلَاءِ: إِنَّ مَلِكَنَا مَرِيضٌ. لِنُغَادِرْ!

قَالَتِ الزَّوْجَةُ: لَا، لَا تُغَادِرُوا يَا أَصْدِقَائِي. إِنَّ هَذِهِ حَالَةٌ تُصِيبُ مَوْلَانَا مُنْذَ كَانَ صَغِيرًا. لَا تَخَافُوا؛ سَوْفَ يَنْتَهِي كُلُّ شَيْءٍ بَعْدَ قَلِيلٍ. لَا تَنْظُرُوا إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ سَوْفَ يَغْضَبُ. تَابِعُوا طَعَامَكُم يَا أَصْدِقَائِي.

قَامَتِ الزَّوْجَةُ وَأَمْسَكَتْ ذِرَاعَ زَوْجِهَا، وَقَالَتْ: هَلْ أَنْتَ أَحْمَقُ؟ هَلْ تُسَمِّي نَفْسَكَ رَجُلًا؟

أَجَابَ مَاكْبِثُ: بَلْ أَنَا رَجُلٌ شُجَاعٌ، يَخَافُهُ النَّاسُ.

قَالَتِ الزَّوْجَةُ: أَنْتَ جَبَانٌ، يَخَافُ مِنَ الْخَيَالَاتِ. أَنْتَ لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مَلِكًا. هَلْ تَخَافُ مِنْ كُرْسِيٍّ فَارِغٍ؟

نَظَرَ مَاكْبِثُ إِلَى الشَّبِحِ ثُمَّ صَاحَ: اُنْظُرُوا هُنَاكَ! هَلْ تَرَوْنَهُ؟ اُخْرُجْ مِنْ هُنَا! يَجِبُ أَنْ تَكُونَ فِي الْقَبْرِ.

قَالَتِ الزَّوْجَةُ: أَنْتَ أَحْمَقُ! أَنْتَ لَسْتَ رَجُلًا! إِنَّ أَصْدِقَاءَكَ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ!

نَظَرَ مَاكْبِثُ إِلَى النُّبَلَاءِ ثُمَّ قَالَ: أَنَا آسِفٌ يَا أَصْدِقَائِي! إِنَّنِي مَرِيضٌ بِمَرَضٍ غَرِيبٍ. اِشْرَبُوا يَا ضُيُوفِي.

نَظَرَ مَاكْبِثُ إِلَى الشَّبَحِ، وَصَاحَ: لَعَنَكَ اللَّهُ! اِرْحَلْ مِنْ هُنَا! اِقْتَرِبْ سَوْفَ أَقْتُلُكَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَرَاكَ! سَوْفَ أُصَارِعُكَ.

اِخْتَفَى الشَّبَحُ، فَنَظَرَ مَاكْبِثُ إِلَى ضُيُوفِهِ: أَنَا آسِفٌ. إِنَّي أَشْعُرُ بِالدَّهْشَةِ؛ لِأَنَّكُم تَنْظُرُونَ إِلَى هَذِهِ الْمَنَاظِرِ وَلَا تَفْقِدُونَ عُقُولَكُم. أَنَا أَشْعُرُ بِالْعَرَقِ، يُبَلِّلُ مَلَابِسِي، وَبِالْحُمَّى، تَحْرِقُ جَسَدِي عِنْدَمَا أَرَى هَذِهِ الْمَنَاظِرَ.

سَأَلَ أَحَدُ النُّبَلَاءِ: الْمَنَاظِرُ؟ عَنْ أَيَّةِ مَنَاظِرَ تَتَكَلَّمُ يَا مَوْلَاي.

قَامَتِ الزَّوْجَةُ، وَقَالَتْ: أَرْجُوكُم، لَا تُكَلِّمُوهُ؛ لِأَنَّهُ سَوْفَ يُصْبِحُ أَسْوَأَ. اِنْصَرِفُوا الْآنَ. طَابَتْ لَيْلَتُكُم.

وَبَعْدَ أَنْ خَرَجَ النُّبَلَاءُ بِسُرْعَةٍ، وَهُم يَتَكَلَّمُونَ، قَالَتِ الزَّوْجَةُ: يَجِبُ أَنْ تَنَامَ. أَنْتَ لَمْ تَنَمْ نَوْمًا حَقِيقِيًّا مِنْذُ وَفَاةِ دَانْكَانَ.

أَجَابَ مَاكْبِثُ: نَعَمْ، سَوْفَ أَنَامُ الْآنَ، وَغَدًا سَوْفَ أَذْهَبُ إِلَى السَّاحِرَاتِ؛ كَيْ يُخْبِرْنَنِي بِمَا سَوْفَ يَحْدِثُ. إِنَّنِي أُفَكِّرُ الْآنَ فِي مَكْدَفَ. لِمَاذَا لَمْ يَحْضُرِ الْيَوْمَ؟

وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي، وَصَلَتْ أَخْبَارٌ إِلَى مَاكْبِثَ. قَالَ الْجَوَاسِيسُ أَنَّ مَالْكُولُمَ يَسْتَعِدُ لِلْحَرْبِ كَيْ يَقْضِيَ عَلَى مَاكْبِثَ؛ فَغَضِبَ مَاكْبِثُ وَرَاحَ يُجَهِّزُ لِلْحَرْبِ، وَأَرْسَلَ إِلَى الْقَائِدِ مَكْدَفَ، لَكِنَّ مَكْدَفَ رَفَضَ أَنْ يَنْضَمَّ إِلَى الْحَرْبِ؛ فَقَرَّرَ مَاكْبِثُ أَنْ يُحَاسِبَ مَكْدَفَ بَعْدَ أَنْ يَعُودَ مِنْ كَهْفِ السَّاحِرَاتِ. وفِي الْكَهْفِ، أَمَرَ مَاكْبِثُ السَّاحِرَاتِ أَنْ يُجِبْنَ عَنْ أَسْئِلَتِهِ. قَالَتِ السَّاحِرَةُ الْأُولَى: سَوْفَ نُجِيبُ.

قَالَتِ السَّاحِرَةُ الثَّانِيَةُ: عَنْ كُلِّ أَسْئِلَتِكَ.

قَالَتِ السَّاحِرَةُ الثَّالِثَةُ: هَلْ تُرِيدُ أَنْ تَسْمَعَ الْأَجْوُبَةَ مِنَّا أَوْ مِنْ أَسْيَادِنَا؟

قَالَ مَاكْبِثُ: سَوْفَ أَسْمَعُ مِنَ أَسْيَادِكُنَ.

كَانَ الْبُخَارُ يَتَصَاعَدُ مِنْ قِدْرٍ كَبِيرٍ. قَالَتِ السَّاحِرَاتُ: تَعَالُوا جَمِيعًا. تَعَالُوا! سَوْفَ يَأْتِي الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ. أَجِيبُوا عَنْ أَسْئِلَةِ مَاكْبِثَ!

اِرْتَفَعَ صَوْتُ الْبَرْقِ، وَاِزْدَادَ الْبُخَارُ. ظَهَرَ شَبَحٌ، يَلْبَسُ خُوذَةً، وَقَالَ لِمَاكْبِثَ: مَاكْبِثُ! مَاكْبِثُ! مَاكْبِثُ! اِحْذَرْ مِنَ مَكْدَفَ سَيِّدِ فَايِفَ!

اِخْتَفَى الشَّبَحُ الْأَوَّلُ، فَقَالَ مَاكْبِثُ: شُكْرًا لَكَ. لَقَدْ كُنْتُ أَشُكُّ أَنَّ مَكْدَفَ سَوْفَ يَخُونُنِي. اِسْمَعْنِي.

قَالَتِ السَّاحِرَاتُ: الْأَشْبَاحُ لَنْ تُطِيعَ كَلَامَكَ. سَوْفَ يَظْهَرُ شَبَحٌ قَوِيٌّ الْآنَ.

اِرْتَفَعَ صَوْتُ الْبَرْقِ، وَاِزْدَادَ الْبُخَارُ. ظَهَرَ شَبَحُ طِفْلٍ صَغِيرٍ، جَسَدُهُ مَلِيءٌ بِالْجُرُوحِ، وَالدِّمَاءُ تُغَطِّيهِ. قَالَ الشَّبَحُ: مَاكْبِثُ! مَاكْبِثُ! مَاكْبِثُ! لَا تَخَفْ مِنَ الْقَتْلِ. كُنْ جَرِيئًا وَقَوِيًّا. اِسْخَرْ مِنْ قُوَّةِ الْإِنْسَانِ. أَيُّ رَجُلٍ وَلِدَتْهُ اِمْرَأَةٌ، لَنْ يَقْتُلَكَ!

اِخْتَفَى الشَّبَحُ، فَضَحِكَ مَاكْبِثُ: عِشْ يَا مَكْدَفُ؛ أَنَا لَا أَخَافُ مِنْكَ؛ لَقَدْ وَلِدَتْكَ اِمْرَأَةٌ. لَنْ يَقْتُلَنِي أَحَدٌ!

اِرْتَفَعَ صَوْتُ الرَّعْدِ، وَاِزْدَادَ الْبُخَارُ. ظَهَرَ شَبَحُ طِفْلٍ، فَوْقَ رَأْسِهِ تَاجٌ. صَاحَ مَاكْبِثُ: مَنْ هَذَا؟ إِنَّهُ اِبْنُ مَلِكٍ.

قَالَتِ السَّاحِرَاتُ: اُصْمُتْ وَاِسْمَعْ!

قَالَ الشَّبَحُ: كُنْ شُجَاعًا. لَا تَسْأَلْ عَنْ مَكَانِ الْمُتَآمِرِينَ؛ لِأَنَّ مَاكْبِثَ لَنْ يَعْرِفَ الْهَزِيمَةَ حَتَّى تَنْتَقِلَ غَابَةَ بِيرَنَامَ الْكَبِيرَةَ إِلَى تَلِّ دَانْسِينِينَ؛ كَيْ تُحَارِبَهُ.

قَالَ مَاكْبِثُ: هَذَا لَنْ يَحْصُلَ أَبَدًا؛ لَأَنَّ أَيَّ رَجُلٍ لَنْ يَسْتَطِيعَ أَنْ يَنْقُلَ غَابَةً كَامِلَةً مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرٍ. لَنْ تَنْزَعَ الْأَشْجَارُ جُذُورَهَا كَيْ تَمْشِي مَعَهُ. إِنَّهَا نُبُوءَاتٌ رَائِعَةٌ! سَوْفَ أَمُوتُ مَوْتًا طَبِيعِيًّا فِي فِرَاشِي. بَقِيَ شَيْءٌ فِي نَفْسِي، أُرِيدُ أَنْ أَعْرِفَ إِجَابَتَهُ. هَلْ سَيَحْصُلُ أَبْنَاءُ بَانْكُوَ عَلَى الْمُلْكِ؟

قَالَتِ السَّاحِرَاتُ: لَا تَسْأَلْ!

صَاحَ مَاكْبِثُ: أَخْبِرُونِي!

قَالَتِ السَّاحِرَاتِ: الْعَرْضُ! اِظْهَرُوا لَهُ؛ اِجْعَلُوا قَلْبَهُ مَلِيئًا بِالْأَحْزَانِ. تَعَالُوا مِثْلَ الْأَشْبَاحِ، وَغَادِرُوا مِثْلَ الْأَشْبَاحِ.

ظَهَرَ ثَمَانِيَةُ مُلُوكٍ، وَآخِرُ وَاحِدٍ يَحْمِلُ مِرْآةً فِي يَدِهِ، وَخَلْفَهُم مَشَى بَانْكُو. شَعَرَ مَاكْبِثُ بِالْحُزْنِ وَالْغَضَبِ، وَهُوَ يَعُدُّ الْمُلُوكَ، وَيَنْظُرُ إِلَى مُلُوكٍ آخَرِينَ فِي الْمِرْآةِ الَّتِي يَحْمِلُهَا الشَّبَحُ الْأَخِيرُ، قَالَ: اللَّعْنَةُ! إِنَّ النُّبُوءَةَ صَحِيحَةٌ! اللَّعْنَةُ عَلَيْكَ يَا بَانْكُو!

وَبَعْدَ أَنْ اِخْتَفَتِ السَّاحِرَاتُ، خَرَجَ مَاكْبِثُ، وَهُوَ غَاضِبٌ. كَانَ لِينُوكسُ يَنْتَظِرُ فِي الْخَارِجِ، فَقَالَ مَاكْبِثُ: لَقَدْ سَمِعْتُ أَصْوَاتَ خَيْلٍ، مَنْ جَاءَ؟

أَجَابَ لِينُوكسُ: لَقَدْ جَاءَ رَجُلَانِ؛ إِنَّهُمَا يَحْمِلَانِ خَبَرًا؛ لَقَدْ هَرَبِ مَكْدَفُ إِلَى إِنْجِلْتِرَا.

قَالَ مَاكْبِثُ لِنَفْسِهِ: كُنْتُ أَنْوِي أَنْ أَقْتُلَ مَكْدَفَ، لَكِنَّهُ هَرَبَ. لَا تَخَفْ يَا مَكْدَفُ؛ سَوْفَ أُهَاجِمُ فَايِفَ، وَأَقْتُلُ زَوْجَتَكَ وَكُلَّ أَوْلَادِكَ. سَوْفَ أَقْتُلُ كُلَّ عَائِلَتِكَ.

وَفِي إِنْجِلْتِرَا، ذَهَبَ مَكْدَفُ إِلَى مَالْكُولُمَ اِبْنُ دَانْكَانَ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَ مَاكْبِثَ الطَّاغِيَةَ. قَالَ مَكْدَفُ: إِنَّ وَطَنَنَا يَنْزِفُ. النِّسَاءُ يَبْكِينَ فِي بِلَادِنَا، وَالْأَطْفَالُ يَمُوتُونَ، أَوْ يَبْكُونَ عَلَى آبَائِهِم. إِنَّ مَاكْبِثَ الطَّاغِيَةَ لَا يَتْرُكُ أَحَدًا حَيًّا. يَجِبُ أَنْ تُصْبِحَ مَلِكَ أُسْكُوتْلَنْدَا يَا مَوْلَاي.

قَالَ مَالْكُولُمُ: أَنَا لَا أَصْلُحُ لِلْمُلْكِ. أَنَا رَجُلٌ فَاسِدٌ، لَا أَبْنِي، بَلْ أَهْدِمُ. أُحِبُّ الْمَالَ وَالنِّسَاءَ، وَأَنَا بَخِيلٌ، وَلَا أَهْتَمُّ بَالْوَطَنِ.

قَالَ مَكْدَفُ: إِنَّهُ عَارٌ كَبِيرٌ! مَلِكٌ طَاغِيَةٌ، يَحْكُمُ وَطَنِي الْآنَ، وَوَلَدٌ فَاسِدٌ سَوْفَ يَهْدِمُ الْبِلَادَ إِنْ أَصْبَحَ مَلِكًا! إِنَّكَ بَائِسٌ يَا وَطَنِي! مَاذَا أَفْعَلُ لَكَ يَا وَطَنِيَ التَّعِيسَ؟ لَقَدْ حَمَلْتُ أَمَلًا صَغِيرًا وَأَتَيْتُ هُنَا؛ كَيْ أَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْكَ. إِنَّ رِحْلَتِي خَاسِرَةٌ!

اِبْتَسَمَ مَالْكُولُمُ، وَقَالَ: إِنَّكَ رَجُلٌ نَبِيلٌ يَا مَكْدَفُ. لَقَدْ حَدَّثْتُكَ طَوِيلًا كَيْ أَعْرِفَ نَوَايَاكَ. لَقَدْ ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُرِيدُ السُّلْطَةَ لَكَ. إِنَّكَ رَجُلٌ شُجَاعٌ. لَقَدْ طَلَبْتُ مِنْ مَلِكِ إِنْجِلْتِرَا أَنْ يُعْطِيَنِي جَيْشًا. سَوْفَ أَحْمِلُ أَمَلَكَ بَيْنَ يَدَيَّ، سَوْفَ أُقَدِّمُ نَفْسِي لِوَطَنِي، سَوْفَ نُحَارِبُ هَذَا الطَّاغِيَةَ.

وَعِنْدَمَا كَانَا يَتَحَدَّثَانِ، دَخَلَ رَجُلٌ. صَاحَ مَكْدَفُ: إِنَّهُ رُوسُ! إِنَّهُ اِبْنُ عَمِّي. أَخْبِرْنِي يَا رُوسُ، كَيْفَ هِيَ بِلَادِي؟ كَيْفَ هِيَ زَوْجَتِي؟ كَيْفَ هُم أَطْفَالِي؟

أَجَابَ رُوسُ: بِلَادُنَا مِسْكِينَةٌ؛ الطَّاغِيَةُ يَقْتُلُ النَّاسَ. زَوْجَتُكَ وَأَطْفَالُكَ بِخَيْرٍ. لَقَدْ رَأَيْتُهُم قَبْلَ أَنْ أُغَادِرَ. لَقَدْ ثَارَ بَعْضُ الرِّجَالِ عَلَى الطَّاغِيَةِ؛ فَخَرَجَ الطَّاغِيَةُ بِجَيْشٍ؛ كَيْ يُحَارِبَهُم.

قَالَ مَالْكُولُمُ: سَوْفَ نَذْهَبُ إِلَى بِلَادِنَا مَعَ الْقَائِدِ سِيوَارَدَ وَعَشَرَةِ آلَافِ جُنْدِيٍّ. لَا تَقْلَقْ!

قَالَ رُوسُ: إِنَّهَا أَخْبَارٌ سَعِيدَةٌ. أَمَّا أَنَا فَأَحْمِلُ أَخْبَارًا سَيِّئَةً لَكَ يَا اِبْنَ الْعَمِّ. لَقَدْ قَتَلَ الطَّاغِيَةُ زَوْجَتَكَ وَكُلَّ أَطْفَالِكِ، بَلْ كُلَّ عَائِلَتِكَ فِي فَايِفَ، وَخَدَمِكَ. كُلُّ مَنْ فِي فَايِفَ، مَاتُوا. إِنَّ دِمَاءَهُم تَمْلَأُ أُسْكُوتْلَنْدَا.

شَعَرَ مَكْدَفُ بَالْأَلَمِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَبْكِ، وَرَاحَ رُوسُ وَمَالكُولُمُ يُخَفِّفَانِ عَنْهُ. قَالَ مَالْكُولُمُ: اِجْعَلْ هَذِهِ الْأَخْبَارَ مَصْدَرَ قُوَّةٍ لِسَيْفِكَ. سَوْفَ نَذْهَبُ بِالْجَيْشِ الْآنَ إِلَى هَذَا الشَّيْطَانُ. هَيَّا!

وَفِي قَلْعَةِ الْمَلِكِ مَاكْبِثَ، طَلَبَتِ وَصِيفَةُ الْمَلِكَةِ الطَّبِيبَ. قَالَتِ الْوَصِيفَةُ: إِنَّ مَوْلَاتِي الْمَلِكَةَ مَرِيضَةٌ، أُرِيدُ أَنْ تُرَاقِبَهَا هَذِهِ اللَّيْلَةَ؛ كَيْ تَعْرِفَ الْمَرَضَ.

وَبَعْدَ مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ، قَامَتِ الْمَلِكَةُ مِنْ نَوْمِهَا، وَرَاحَتْ تَمْشِي، وَهِيَ تَفْرِكُ يَدَيْهَا؛ كَأَنَّهَا تَغْسِلُهُمَا. تَكَلَّمَتِ الْمَلِكَةُ: مَا هَذِهِ الْبُقْعَةُ الْمَلْعُونَةُ؟ إِنَّهَا لَا تَخْتَفِي. السَّاعَةُ تَدُقُّ: الْوَاحِدَةُ، الثَّانِيَةُ... لَقَدْ حَانَ الْوَقْتُ. الْجَحِيمُ مُظْلِمٌ. عَارٌ عَلَيْكَ أَنْ تَكُونَ جُنْدِيًّا وَتَخَافُ يَا سَيِّدِي. لَا أَحَدَ يَعْرِفُ سِرَّنَا. فِي جَسَدِ هَذَا الرَّجُلِ الْعَجُوزِ كَثِيرٌ مِنَ الدَّمِ. أَيْنَ هِيَ زَوْجَةُ سَيِّدِ فَايْفَ؟ مَا هَذِهِ الدِّمَاءُ؟ لَا تَخَفْ! سَوْفَ يَعْلَمُ الْجَمِيعُ، سَوْفَ يَرَوْنَ خَوْفَكَ. اِغْسلْ يَدَيْكَ. اِلْبَسْ مَلَابِسَ نَوْمِكَ. نَمْ، لَنْ يَعْرِفَ أَحَدٌ أَنَّكَ قَتَلْتَهُ. اِذْهَبْ إِلَى فِرَاشِكَ.

وَبَعْدَ أَنْ عَادَتْ إِلَى فِرَاشِهَا، قَالَ الطَّبِيبُ لِلْوَصِيفَةِ، وَهُوَ يَشْعُرُ بِالْخَوْفِ: لَا أَعْرِفُ هَذَا الْمَرَضَ. إِنَّهَا أَسْرَارٌ لَا تَعْرِفُهَا إِلَّا السَّمَاءُ. إِنَّ الْمَلِكَةَ تَحْتَاجُ قِسًّا وَلَيْسَ طَبِيبًا. ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَلِكِ مَاكْبِثَ الَّذِي كَانَ يلْبَسُ دُرُوعَهُ وَأَخْبَرَهُ عَنْ مَرَضِ الْمَلِكَةِ: مَوْلَاي، إِنَّ الْمَلِكَةَ تُعَانِي مِنْ أَوْهَامٍ. أَنَا لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُعَالِجَهَا. فَغَضِبَ مَاكْبِث، وَرَاحَ يَتَحَدَّثُ كَثِيرًا، وَهُوَ يَتَذَكَّرُ النُّبُوءَاتِ.

ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ النُّبَلَاءِ وَجُنُودُهُم إِلَى غَابَةِ بِيرَنَامَ؛ كَيْ يُقَابِلُوا الْمَلِكَ الْحَقِيقِيَ مَالْكُولُمَ، وَالْقَائِدَ سِيوَارَدَ، وَاِبْنَ الْقَائِدَ سِيوَارَدَ، وَمَكْدَفَ النَّبِيلَ، وَالنُّبَلَاءَ الَّذِينَ هَرَبُوا مِنْ الطَّاغِيَةِ. وَعِنْدَمَا اِقْتَرَبَ جَيْشُ مَالكُولُمَ، سَأَلَ الْقَائِدُ الْإِنْجِلِيزِي سِيوَارَدُ: مَا هَذِهِ الْغَابَةُ أَمَامَنَا؟ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهَا غَابَةُ بِيرَنَامَ. نَظَرَ مَالْكُولُمُ إِلَى الْغَابَةِ ثُمَّ قَالَ لِلْجُنُودِ: لِيَأْخُذْ كُلُّ وَاحِدٍ فَرْعًا؛ كَيْ يُخْفِيَ نَفْسَهُ. لَا نُرِيدُ أَنْ يَعْلَمَ الْعَدُوُّ عَدَدَ جَيْشِنَا، وَلَا نُرِيدُ أَنْ يَعْرِفَ مَكَانَنَا.

وَفِي قَلْعَةِ الْمَلِكِ مَاكْبِثَ، صَاحَ مَاكْبِثُ: سَوْفَ نَتَحَصَّنُ فِي الْقَلْعَةِ؛ إِنَّهَا قَوِيَّةٌ جِدًّا. سَوْفَ نَتْرُكُ جَيْشَ الْعَدوِّ لِلْجُوعِ وَالْمَرَضِ. اِرْفَعُوا الْأَعْلَامَ! نَحْنُ لَا نَخَافُ شَيْئًا.

وَفَجْأَةً، سَمِعَ مَاكْبِثُ صُرَاخًا فِي الْقَلْعَةِ، فَقَالَ لِخَادِمِهِ: مَا هَذِهِ الصَّرْخَةُ؟ إِنَّ أَبْوَاقَ الْحَرْبِ تُحَرِّكُ فِي قَلْبِي الشَّجَاعَةَ، أَمَّا هَذِهِ الصَّرْخَةُ فَإِنَّهَا قَدْ حَرَّكَتِ الْخَوْفَ فِي قَلْبِي.

دَخَلَ أَحَدُ الْخَدَمِ، فَسَأَلَهُ مَاكْبِثُ: مَنْ يَصْرُخُ؟

أَجَابَ الْخَادِمُ: النِّسَاءُ يَصْرُخْنَ يَا مَوْلَايَ... لَقَدْ مَاتَتِ الْمَلِكَةُ.

أَغْمَضَ مَاكْبِثُ عَيْنَيْهِ وَقَالَ: اللَّعْنَةُ! لِمَاذَا مَاتَتِ الْيَوْمَ؟ لِمَاذَا لَمْ تَنْتَظِرْ يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ؟

دَخَلَ أَحَدُ الْحَرَسِ إِلَى الْقَاعَةِ، وَقَالَ: مَوْلَايَ، لَقَدْ كُنْتُ أُرَاقِبُ مِنْ أَعْلَى الْبُرْجِ، فَلَمْ أَرَى شَيْئًا... لَكِنَّي رَأَيْتُ شَيْئًا غَرِيبًا. رَأَيْتُ غَابَةَ بِيرَنَامَ تَتَحَرَّكُ.

تَذَكَّرَ مَاكْبِثُ النُّبُوءَةَ، فَصَاحَ: مَا هَذَا الْكَذِبُ؟ اِبْتَعِدْ عَنْ طَرِيقِي؛ سَوْفَ أَذْهَبُ لِأَرَى بِنَفْسِي.

صَعَدَ مَاكْبِثُ إِلَى أَعْلَى الْبُرْجِ فَرَأَى الْغَابَةَ، تَتَحَرَّكُ نَحْوَ الْقَلْعَةِ. صَاحَ مَاكْبِثُ: لَقَدْ بَدَأَتِ الْحَرْبُ! سَوْفَ يَأْتِي الدَّمَارُ! اِحْمُلوُا أَسْلِحَتَكُم أَيُّهَا الْجُنُودُ؛ سَوْفَ نَخْرُجُ؛ كَيْ نَلْقَى الْعَدُوَّ.

خَرَجَ مَاكْبِثُ وَجُنُودُهُ إِلَى سَهْلٍ أَمَامَ الْقَلْعَةِ. وَفِي السَّهْلِ، لَقِيَ اِبْنُ الْقَائِدِ سِيوَارَدَ رَجُلًا أَمَامَهُ، فَسَحَبَ سَيْفَهُ، وَسَأَلَهُ: مَنْ أَنْتَ؟

أَجَابَ الرَّجُلُ: سَوْفَ تَنْزَعِجُ عِنْدَمَا تَعْلَمُ... أَنَا مَاكْبِثُ.

تَبَارَزَ مَاكْبِثُ وَاِبْنُ الْقَائِدِ سِيوَارَدَ، فَقَتَلَ مَاكْبِثُ خَصْمَهُ، وَقَالَ: لَنْ يَقْتُلَنِي رَجُلٌ وَلِدَتْهُ اِمْرَأَةٌ.

اِلْتَقَى الْجَيْشَانِ فِي الْمَعْرَكَةِ، وَرَاحَ الْجُنُودُ يَتَبَارَزُونَ. وَفَجْأَةً، سَمِعَ مَالْكُولُمُ أَصْوَاتَ أَبْوَاقٍ؛ فَعَلِمَ أَنَّ الْقَلْعَةَ قَدْ فَتَحَتْ أَبَوَابَهَا، وَتَخَلَّتْ عَنْ مَاكْبِثَ، فَدَخَلَهَا وَمَعَهُ الْقَائِدُ سِيوَارَدُ.

وَفِي السَّهْلِ، رَاحَ مَكْدَفُ يَبْحَثُ عَنْ مَاكْبِثَ؛ كَيْ يَقْتُلَهُ. وَعِنْدَمَا لَقِيَهُ، قَالَ مَاكْبِثُ: هَذَا أَنْتَ؟ لَقَدْ كُنْتَ أَتَجَنَّبُكَ.

قَالَ مَكْدَفُ: أَمَّا أَنَا، فَقَدْ كُنْتُ أَبْحَثُ عَنْكَ. لَنْ أَتْرُكَكَ حَيًّا؛ لَقَدْ قَتَلْتَ كُلَّ مَنْ فِي فَايْفَ!

قَالَ مَاكْبِثُ: لَنْ تَقْتُلَنِي. إِنَّ تَعْوِيذَةً قَوِيَّةً تَحْمِينَي. لَنْ يَقْتُلَنِي رَجُلٌ أَنْجَبَتْهُ اِمْرَأَةً.

ضَحِكَ مَكْدَفُ، وَقَالَ: لَا تَثِقْ بِهَذِهِ التَّعْويْذَةِ. اِرْجِعْ إِلَى السَّحَرَةِ اللَّذِينَ قَالُوا لَكَ هَذَا الْكَلَامَ؛ كَيْ يُخْبِرُوكَ أَنَّ الطَّبِيبَ أَخْرَجَ مَكْدَفَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ قَبْلَ وَقْتِ الْوِلَادَةِ.

شَعَرَ مَاكْبِثُ بِالْخَوْفِ، وَقَالَ لِنَفْسِهِ: كَيْفَ صَدَّقْتُ كَلَامَ السَّاحِرَاتِ؟ إِنَّ كَلَامَهُنَ يَلْعَبُ عَلَى وَتَرِ الْأَلْفَاظِ وَالْمَعَانِي.

رَفَعَ مَكْدَفُ سَيْفَهُ وَرَاحَ يُبَارِزُ مَاكْبِثَ حَتَّى قَتَلَهُ، فَقَطَعَ رَأْسَهُ، وَحَمَلَهُ إِلَى مَالْكُولُمَ الَّذِي جَلَسَ عَلَى عَرْشِ أَبِيهِ دَانْكَانَ. قَالَ مَكْدَفُ: هَذَا هُوَ رَأْسُ الطَّاغِيَةِ! لَقَدْ تَحَرَّرَ شَعْبُنَا، وَأَصْبَحَ حَوْلُكَ رِجَالٌ نُبَلَاءُ كِرَامٌ. عَاشَ مَلِكُ أُسْكُوتْلَنْدَا!

فَصَاحَ كُلُّ مَنْ فِي الْقَاعَةِ: عَاشَ مَلِكُ أُسْكُوتْلَنْدَا!

(1) قَادَ ...................... جَيْشَ الْمُتَمَرِّدِينَ.

JENNY
WAW I think this page is wonderful. I was looking for a page like this because I want to learn and practice to read Arabic I'm learning by myself.

Your email address will not be published. Required fields are marked *

@