الْمَلِكُ عَجِيبٌ

الْمَلِكُ عَجِيبٌ

This Arabic story is for learners of Arabic as a foreign language. We took it from a book written by Kamil Keilany, an Egyptian writer and a poet. The original text was written for native speakers of Arabic. To make it suitable for learners of Arabic as a foreign language, it has been abridged, appropriately simplified, and slightly modified. Some of the details in the original story have been left out. Also, sentence structures are tailored for learners of Arabic as a foreign language. This Arabic story is suitable for intermediate to upper-intermediate learners.

source: Hindawi Foundation for Education and Culture

فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ، عَاشَ أَمِيرٌ اِسْمُهُ عَجِيبٌ، وَكَانَ يُحِبُّ السَّفَرَ فِي الْبَحْرِ؛ وَعِنْدَمَا أَصْبَحَ مَلِكًا، تَرَكَ مَمْلَكَتَهُ وَسَافَرَ. كَانَتْ رَحَلَاتُ الْمَلِكِ عَجِيبٍ طَوِيلَةً جِدًّا، وَكَانَ يَعُودُ مِنْ رِحْلَةٍ، وَيَبْقَى شَهْرًا فِي مَمْلَكَتِهِ، ثُمَّ يَشْتَاقُ إِلَى الْبَحْرِ، فَيُغَادِرُ فِي رِحْلَةٍ جَدِيدَةٍ.

وَفي يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ، فَكَّرَ الْمَلِكُ عَجِيبٌ فِي أَنْ يُسَافِرَ فِي رِحْلَةٍ طَوِيلَةٍ جِدًّا، فَأَمَرَ وَزِيرَهُ أَنْ يُجَهِّزَ سَفِينَةً، وَأَخَذَ مَعَهُ كَثِيرًا مِنَ الرَّجَالِ. خَرَجَتِ السَّفِينَةُ مِنَ الْمَمْلَكَةِ، وَسَارَتْ فِي الْبَحْرِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا. وَطَوَالَ تِلْكَ الأَيَّامِ، كَانَ الْبَحْرُ هَادِئًا، وَكَانَتِ السَّمَاءُ صَافِيةً. وَفِي الْيَوْمِ الْأَرْبَعِينَ، هَبَّتْ عَاصِفَةٌ شَدِيدَةٌ. تَحَرَّكَ الْبَحْرُ بِعُنْفٍ، وَأَظْلَمَتِ السِّمَاءُ، وَضَرَبَتِ الْأَمْوَاجُ السَّفِينَةَ، فَقَلِقَ الرِّجَالُ وَتَوَقَّعُوا الْمَوْتَ.

بَقِيَتِ الْعَاصِفَةُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ هَدَأَ الْبَحْرُ، وَأَشْرَقَتِ الشَّمْسُ، وَزَالَتِ الْغُيُومُ. خَرَجَ الْقُبْطَانُ إِلَى سَطْحِ السَّفِينَةِ؛ كَيْ يَرَى مَكَانَ السَّفِينَةِ، فَصَاحَ، وَهُوَ يَضْرِبُ رَأْسَهُ: يَا اللَّهُ! سَوْفَ نَمُوتُ الْآنَ! سَوْفَ نَمُوتُ!

خَرَجَ الْمَلِكُ وَالرِّجَالُ؛ كَيْ يَنْظُرُوا حَوْلَهُم. سَأَلَ الْمَلِكُ الْقُبْطَانَ: لِمَاذَا تَبْكِي يَا قُبْطَانُ؟

أَجَابَ الْقُبْطَانُ، وَهُوَ يُشِيرُ بِإِصْبَعِهِ إِلَى جَبَلٍ بَعِيدٍ: هَلْ تَرَى ذَلِكَ الْجَبَلَ الْأَسْوَدَ يَا مَوْلَايَ؟ إِنَّهُ جَبَلُ الْمَغْنَاطِيسِ. هَذَا الْمَغْنَاطِيسُ سَوْفَ يَجْذِبُ الْمَسَامِيرَ الَّتِي فِي السَّفِينَةِ. سَوْفَ تَخْرُجُ الْمَسَامِيرُ مِنْ مَكَانِهَا، فَتَتَحَطَّمُ السَّفِينَةُ، وَنَغْرَقُ.

سَأَلَ الْمَلِكُ عَجِيبٌ الْقُبْطَانَ: هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُبْعِدَ السَّفِينَةَ عَنِ الْجَبَلِ؟

أَجَابَ الْقُبْطَانُ: لَا يَا مَوْلَاي؛ لَقَدْ فَاتَ الْأَوَانُ. لَا أَحَدَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَبْتَعِدَ عَنْ الْجَبَلِ الْأَسْوَدِ. فِي قِمَّةِ هَذَا الْجَبَلِ تُوْجَدُ قُبَّةٌ عَظِيمَةٌ، وَفَوْقَ الْقُبَّةِ تُمْثَالٌ مَصْنُوعٌ مِنَ النُّحَاسِ لِفَارِسٍ يَرْكَبُ فَرَسًا. فِي صَدْرِ الْفَارِسِ لَوْحٌ مِنَ الرَّصَاصِ عَلَيْهِ نُقُوشٌ غَرِيبَةٌ. لَا أَحَدَ يَفْهَمُ تِلْكَ النُّقُوشَ. إِذَا سَقَطَ ذَلِكَ الْفَارِسُ سَوْفَ تَنْجُو السُّفُنُ مِنَ الْهَلَاكِ. أَمَّا الْآنَ، فَإِنَّنَا سَوْفَ نَمُوتُ.

حَزِنَ الْمَلِكُ وَأَصْحَابُهُ، وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَنَامُوا طَوَالَ اللَّيْلِ. وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي، وَقَفَ الْمَلِكُ وَالرِّجَالُ عَلَى سَطْحِ السَّفِينَةِ، وَنَظَرُوا حَوْلَهُم. تَحَرَّكَتِ السَّفِينَةُ بِسُرْعَةٍ، حَتَّى ظَنَّ الْجَمِيعُ أَنَّ عِفْرِيتًا يَسْحَبُ السَّفِينَةَ. خَافَ الرِّجَالُ وَصَاحُوَا، فَصَاحَ الْقُبْطَانُ: إِنَّ الْمَغْنَاطِيسَ يَسْحَبُنَا.

 وَعِنْدَمَا اِقْتَرَبَتِ السَّفِينَةُ مِنَ الْجَبَلِ، جَذَبَ الْمَغْنَاطِيسُ كُلَّ الْمَسَامِيرِ، فَسَقَطَتْ أَلْوَاحُ السَّفِينَةِ، وَسَقَطَ الرِّجَالُ وَهُم يَصْرُخُونَ. كَانَتِ الْأَمْوَاجُ قَوِيَّةً، وَكَانَتْ أَلْوَاحُ السَّفِينَةِ عَلَى سَطْحِ الْمَاءِ، فَتَعَلَّقَ الْمَلِكُ عَجِيبٌ بِأَحَدِ الْأَلْوَاحِ. رَمَى الْمَوْجُ الْمَلِكَ بِعِيدًا، ثُمَّ أَعَادَهُ. بَقِيَ الْمَلِكُ يُمْسِكُ باللَّوْحِ الْخَشَبِيّ بِقُوَّةٍ. وَبَعْدَ مُدَّةٍ، رَمَى الْمَوْجُ الْمَلِكَ إِلَى أَسْفَلَ الْجَبَلِ. فَتَحَ الْمَلِكُ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ حَوْلَهُ. كَانَتِ الْحِجَارَةُ السَّوْدَاءُ مُخِيفَةً، وَكَانَ أَمَامَهُ طَرِيقٌ طَوِيلٌ وَمُتَعَرِّجٌ. وَقَفَ الْمَلِكُ وَنَظَرَ حَوْلَهُ، وَرَاحَ يَبْحَثُ عَنْ أَصْحَابِهِ. نَادَى الْمَلِكُ: يَا قُبْطَانُ! أَيُّهَا الرِّجَالُ! هَلْ نَجَا أَحَدٌ غَيْرِي؟ وَبَعْدَ مُدَّةٍ، عَرَفَ أَنَّهُ الْوَحِيدُ الَّذِي نَجَا، فَبَكَى عَلَى أَصْحَابِهِ وَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى سَلَامَتِهِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ.

بَعْدَ أَنْ أَنْهَى الْمَلِكُ عَجِيبٌ صَلَاتَهُ، شَعَرَ بِالتَّعَبِ فَنَامَ. وَفِي الْمَنَامِ، رَأَى الْمَلِكُ عَجِيبٌ شَيْخًا بِلِحْيَةٍ بَيْضَاءَ طَوِيلَةٍ. قَالَ الشَّيْخُ لِلْمَلِكِ: قُمْ، يَا عَجِيبُ، وَاِحْفِرْ تَحْتَ قَدَمَيْكَ. سَوْفَ تَجِدُ قَوْسًا مِنَ النُّحَاسِ وَثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ مِنَ الرَّصَاصِ. عَلَى الْأَسْهُمِ نُقُوشٌ لَنْ تَفَهَمَهَا، إِنَّهَا نُقُوشٌ سِحْرِيَّةٌ. قُمْ، يَا عَجِيبُ، وَاِضْرِبِ الْفَارِسَ بِالْأَسْهُمِ حَتَّى يَسْقُطَ. إِذَا سَقَطَ الْفَارِسُ، اِنْتَهَى السِّحْرُ. قُمْ، يَا عَجِيبُ، وَاَنْقِذِ النَّاسَ مِنْ شَرِّ هَذَا الْفَارِسِ. وَبَعْدَ أَنْ يَسْقُطَ الْفَارِسُ، اِدْفِنْ القَوْسَ فِي مَكَانِ الْفَارِسِ؛ كَيْ يَرْتَفِعَ الْبَحْرُ وَيُغَطِيَّ الْجَبَلَ. سَوْفَ يَظْهَرُ لَكَ مِنَ الْبَحْرِ زَوْرَقٌ فِيهِ تِمْثَالٌ مِنَ نُحَاسٍ. سَوْفَ يَأْخُذُكَ التِّمْثَالُ الْمَسْحُورُ إِلَى بِلَادِكَ فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ. لَا تَذْكُرْ اِسْمَ اللَّهِ وَأَنْتَ فِي الزَّوْرَقِ. إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ، سَوْفَ يَذُوبُ التِّمْثَالُ الْمَسْحُورُ، وَيَنْتَهِي السِّحْرُ، وَيَغْرَقُ الزَّوْرَقُ، وَتَغْرَقُ أَنْتَ فِي الْبَحْرِ.

قَامَ الْمَلِكُ عَجِيبٌ مِنْ نَوْمِهِ وَهُوَ سَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ سَوْفَ يَعُودُ إِلَى بِلَادِهِ. حَفَرَ الْمَلِكُ فِي التُّرَابِ فَوَجَدَ الْقَوْسَ وَالْأَسْهُمَ. رَفَعَ الْمَلِكُ سَهْمًا وَرَمَى الْفَارِسَ فَأَصَابَهُ، وسَقَطَ الْفَارِسُ وَالْفَرَسُ فِي الْبَحْرِ. دَفَنَ الْمَلِكُ الْقَوْسَ وَالسَّهْمَيْنِ فِي التُّرَابِ، فَاِرْتَفَعَ مَاءُ الْبَحْرِ حَتَّى اِخْتَفَى الْجَبَلُ وَظَهَرَ تَحْتَ قَدَمَيِّ الْمَلِكِ زُوْرَقٌ فِيهِ تِمْثَالٌ مِنْ نُحَاسٍ. كَانَ التِّمْثَالُ جَالِسًا ويُمْسِكُ مِجْدَافَيْنِ، فَحَرَّكَهُمَا. تَحَرَّكَ التِّمْثَالُ فَوْقَ الْمَاءِ بِسُرْعَةٍ كَبِيرَةٍ. قَالَ الْمَلِكُ لِنَفْسِهِ: مَا شَاءَ اللَّهُ! هَذَا شَيْءٌ عَظِيمٌ! لَكِنَّهُ تَذَكَّرَ كَلَامَ الشَّيْخِ فِي الْمَنَامِ فَقَالَ لِنَفْسِهِ: يَجِبُ أَنْ لَا أَذْكُرَ اِسْمَ اللَّهِ أَبَدًا. بَقِيَ الْمَلكُ صَامِتًا تِسْعَةَ أَيَّامٍ. وَفِي فَجْرِ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ، رَأَى الْمَلِكُ الْيَابِسَةَ مِنْ بَعِيدٍ فَفَرِحَ وَصَاحَ: لَقَدْ وَصَلْتُ! لَقَدْ نَجَوْتُ! الْحَمْدُ لِلَّهِ! الْحَمْدُ لِلَّهِ!

فَذَابَ التِّمْثَالُ وَغَاصَ الزَّوْرَقُ فِي الْبَحْرِ. سَبَحَ الْمَلِكُ عَجِيبٌ فِي الْبَحْرِ طَوَالَ الْيَوْمِ. رَأَى الْمَلِكُ الْبَرَّ بَعِيدًا فَحَزِنَ حُزْنًا شَدِيدًا وَنَدِمَ؛ لِأَنَّ الْفَرَحَ أَنْسَاهُ كَلَامَ الشَّيْخِ. وَعِنْدَمَا ضَعُفَتْ قُوَّةُ الْمَلِكِ، قَالَ: يَا رَبُّ، إِنَّ زَوْرَقًا يَسْقُطُ بِسَبَبِ اِسْمِكَ. هَلْ هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ؟ سَاعِدْنِي يَا رَبُّ. أَنْقِذْنِي مِنْ هَذَا الْبَحْرِ. اِسْتَجَابَ اللَّهُ لِدُعَاءِ الْمَلِكِ، فَتَحَرَّكَتِ الْأَمْوَاجُ بِقُوَّةٍ وَرَمَتِ الْمَلِكَ إِلَى جَزَيرَةٍ مَجْهُولَةٍ. حَمَدَ الْمَلِكُ اللَّهَ، وَصَلَّى رَكْعَتَينِ، ثُمَّ تَسَلَّقَ شَجَرَةً عَالِيَةَ، وَنَامَ عَلَيْهَا؛ كَيْ يَبْتَعِدَ عَنِ الْحَيَوَانَاتِ الْمُفْتَرِسَةِ.

وَفِي صَبَاحِ الْيَوْمِ التَّالِي، اِسْتَيْقَظَ الْمَلِكُ؛ لِأَنَّهُ سَمِعَ أَصْوَاتًا. نَظَرَ الْمَلِكُ إِلَى أَسْفَلَ فَلَمْ يَرَى شَيْئًا. وَقَفَ الْمَلِكُ، وَنَظَرَ إِلَى الْبَحْرِ، فَرَأَى سَفِينَةً قَرِيبَةً مِنَ الشَّاطِئِ. نَزَلَ مِنَ السَّفِينَةِ عَشْرَةُ رِجَالٍ، وَشَيْخٌ، وَفَتًى. حَفَرَ الرِّجَالُ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ دَخَلُوا، وَدَخَلَ خَلْفَهُم الشِّيْخُ وَالْفَتَى. خَرَجَ الرِّجَالُ الْعَشْرَةُ وَعَادُوَا إِلَى السَّفِينَةِ. حَمَلَ الرِّجَالُ صَنَادِيقَ وَأَكْيَاسَ. عَرَفَ الْمَلِكُ أَنَّ فِي تِلْكَ الصَّنَادِيقِ وَالْأَكْيَاسِ دَقِيقٌ، وَزَيْتٌ، وَفَاكِهَةٌ. قَالَ الْمَلِكُ لِنَفْسِهِ: مَا كُلُّ هَذَا الطَّعَامِ؟ لِمَنْ يُحْضِرُونَهُ؟

بَقِيَ الْمَلِكُ وَاقِفًا فِي مَكَانِهِ، وَهُوَ يَنْتَظِرُ أَنْ يَخْرُجَ الرِّجَالُ. وَبَعْدَ مُدَّةٍ، خَرَجَ الرِّجَالُ الْعَشْرَةُ وَالشَّيْخُ، لَكِنَّ الْفَتَى لَمْ يَخْرُجْ. رَكِبَ الْجَمِيعُ السَّفِينَةَ، وَغَادَرُوا. وَعِنْدَمَا اِخْتَفَتِ السَّفِينَةُ فِي الْبَحْرِ، نَزَلَ الْمَلِكُ عَنِ الشَّجَرَةِ، وَذَهَبَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي حَفَرَ فِيهِ الرِّجَالُ. رَأَى الْمَلِكُ صَخْرَةً مُسْتَدِيرَةً وَمُسَطَّحَةً، وَفَيهَا حَلَقَةٌ حَدِيدِيَّةٌ قَوِيَّةٌ. رَفَعَ الْمَلِكُ الصَّخْرَةَ، فَرَأَى تَحْتَهَا سُلَّمًا. نَزَلَ الْمَلِكُ فَوَجَدَ نَفْسَهُ فِي غُرْفَةٍ وَاسِعَةٍ، كَانَ فِي وَسَطِهَا أَرِيكَةٌ. وَعَلَى الْأَرِيكَةُ، كَانَ الْفَتَى جَالِسًا. رَأَى الْفَتَى الْمَلِكَ، فَوَقَفَ، وَهُوَ خَائِفٌ، وَصَاحَ: مَنْ أَنْتَ؟ وَلِمَاذَا جِئْتَ إِلَى هُنَا؟

اِبْتَسَمَ الْمَلِكُ، وَقَالَ: لَا تَخَفْ؛ أَنَا رَجُلٌ تَحَطَّمَتْ سَفِينَتُهُ، فَرَمَتْهُ الْأَمْوَاجُ إِلَى هُنَا. كَانَتْ رِحْلَةً سَيِّئَةً! بَعْدَ أَنْ أَعُودَ إِلَى بِلَادِي، سَوْفَ أَبْقَى هُنَاكَ مُدَّةً طَوِيلَةً؛ كَي أَنْسَى هَذِهِ الرِّحْلَةَ. لَقَدْ مَاتَ كُلُّ أَصْحَابِي. اِجْلَسْ يَا فَتَى، لَا تَخَفْ! لَدَيكَ هُنَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ. سَوْفَ آكُلُ مِنْ طَعَامِكَ؛ لِأَنَّي جَائِعٌ جِدًّا. أَنَا لَا أَذْكُرُ آخِرَ مَرَّةٍ أَكَلْتُ فِيهَا.

أَخَذَ الْمَلِكُ خُبْزًا، وَجُبْنًا، وَبَعْضَ الْفَاكِهَةِ؛ وَجَلَسَ عَلَى الْأَرِيكَةِ، وَهُوَ يَقُولُ: هَذَا الْبِسَاطُ ثَمِينٌ يَا فَتَى. أَخْبِرْنِي عَنْ قِصَّتِكَ.

نَظَرَ الْفَتَى إِلَى الْمَلِكِ، وَهُو مُرْتَابٌ؛ لَكِنَّهُ رَأَى أَنَّهُ لَا يَحْمِلُ سِلَاحًا، وَلَيْسَ ضَخْمًا وَمُخِيفًا، فَجَلَسَ أَمَامَهُ لِكِنَّهُ رَفَضَ أَنْ يُخْبِرَهُ عَنْ قِصَّتِهِ. بَقِيَ الْمَلِكُ يُحَدِّثُ الْفَتَى حَتَّى زَالَتِ الرِّيبَةُ وَالْخَوْفُ، وَرَاحَ الْفَتَى يَضْحَكُ وَالْمَلِكُ يَحْكِي لَهُ قِصَصًا مُضْحِكَةً. قَالَ الْفَتَى: أَنَا سَعِيدٌ؛ لِأَنَّكَ هُنَا يَا ... لَمْ تُخْبِرنِي بِاسْمِكَ.

أَجَابَ الْمَلِكُ عَجِيبٌ: اِسْمِي حَسَنٌ.

اِبْتَسَمَ الْفَتَى وَقَالَ: أَنَا سَعِيدٌ؛ لِأَنَّكَ هُنَا يَا حَسَنُ؛ لَقَدْ ظَنَنْتُ أَنَّي سَوْفَ أَبْقَى هُنَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَتَكَلَّمُ مَعَ الْجُدْرَانِ.

سَأَلَ الْمَلِكُ عَجِيبٌ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا؟ لِمَاذَا؟ هَلْ أَنْتَ سَجِينٌ؟ لَمْ أَرَى سَجِينًا مُرْتَاحًا فِي هَذَا النَّعِيمِ مِثْلَكَ يَا فَتَى!

ضَحِكَ الْفَتَى ثُمَّ قَالَ: لَا، لَسْتُ سَجِينًا. الْحَقِيقَةُ، يَا حَسَنُ، أَنَّ أَبِي تَاجِرُ لُؤْلُؤٍ مَعْرُوفٌ. إِنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ الْآنَ، وَأَنَا اِبْنُهُ الْوَحِيدُ. عِنْدَمَا وُلِدْتُ، كَانَ أَبِي سَعِيدًا جِدًّا لَكِنَّهُ رَأَى حُلْمًا مُخِيفًا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ. فِي الْيَوْمِ التَّالِي، جَمَعَ أَبِي الْحُكَمَاءَ وَالْعُلَمَاءَ وَالْمُفَسِّرِينَ وَطَلَبَ مِنْهُمْ أَنْ يُفَسِّرُوا حُلْمَهُ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ لِأَبِي إِنَّ عُمْرِيَ قَصِيرٌ، وَإِنَّ الْمَلِكَ عَجِيبًا سَوْفَ يَقْتُلُنِي، بَعْدَ أَنْ يَرْمِيَ الْفَارِسَ الْمَسْحُورَ فِي الْبَحْرِ.

خَافَ الْمَلِكُ عَجِيبٌ مِنْ كَلَامِ الْفَتَى، لَكِنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ. قَالَ الْفَتَى: لَقَدْ سَمِعْنَا أَنَّهُ رَمَى الْفَارِسَ فِي الْبَحْرِ؛ وَلِهَذَا خَافَ أَبِي وَأَحْضَرَنِي إِلَى هُنَا. لَقَدْ جَهَّزَ أَبِي هَذَا الْمَكَانَ بَعْدَ أَنْ وُلِدْتُ؛ كَي أَخْتَبِئَ هُنَا عِنْدَمَا يَسْقُطُ الْفَارِسُ. لَقَدْ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ إِنَّهُ سَوْفَ يَقْتُلُنِي عِنْدَمَا أَبْلُغُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ مِنَ الْعُمْرِ. بَقِي أَرْبَعُونَ يَوْمًا حَتَّى أَبْلُغَ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ. إِذَا لَمْ يَقْتُلْنِي الْمَلِكُ عَجِيبٌ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمٍ، فَسَوْفَ أَعِيشُ طَوِيلًا. لَقَدْ وَضَعَنِي أَبِي هُنَا؛ حَتَّى لَا يَجِدَنِي الْمَلِكُ عَجِيبٌ.

وَضَعَ الْمَلِكُ عَجِيبٌ الطَّعَامَ عَلَى الطَّاوِلَةِ، وَقَالَ: إِنَّهُ حُلُمٌ كَاذِبٌ يَا فَتَى. هَلْ هُنَالِكَ أَحَدٌ يُصَدِّقُ الْأَحْلَامَ؟ أَظُنُّ أَنَّ الْمُفَسِّرِينَ أَرَادُوا بَعْضَ مَالِ أَبِيكَ، وَبِسَبِبِ هَذَا قَالُوا هَذَا الْكَلَامَ الْكَاذِبَ. هَلْ أَنْتَ وَاثِقٌ أَنَ الْمَلِكَ عَجِيبًا هُوَ مِنْ رَمَى الْفَارِسَ؟ لَا أَحَدَ يَعْلَمُ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يَرَى مَا حَدَثَ. لَا تَخْفْ يَا فَتَى. إِنَّهُ حُلْمٌ فَقَطْ!

قَالَ الْفَتَى: لَا أَعْلَمُ. أَظُنُّ أَنَّكَ عَلَى حَقٍّ؛ لَا أَحَدَ يَعْلَمُ مَنْ رَمَى الْفَارِسَ فِي الْبَحْرَ. لَكِنْ...

صَاحَ الْمَلِكُ عَجِيبٌ: لَا! لَا تُفَكِّرْ فِي الْأَمْرِ كَثِيرًا. لَنْ يَقْتُلَكَ الْمَلِكُ عَجِيبٌ! يَا فَتَى، لِمَاذَا يَقْتُلُكَ رَجُلٌ لَا يَعْرِفُكَ؟ هَلْ رَأَيْتَهُ يَوْمًا؟

قَالَ الْفَتَى: لَا، أَنَا لَا أَعْرِفُهُ. إِنَّهُ مَلِكُ مَمْلَكَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ مَمْلَكَتِنَا، لَكِنَّ الْجَمِيعَ يَعْرِفُ أَنَّهُ يُحِبُّ السَّفَرَ... هَلْ تَعْلَمُ يَا حَسَنُ؟ أَظُنُّ أَنَّ هَذَا الْمَلِكَ أَحْمَقُ؛ هَلْ رَأَيْتَ مَلِكًا يَطُوفُ الْعَالَمَ وَيَتْرُكُ مَمْلَكَتَهُ فِي يَدِ وَزِيرِهِ؟ يَجِبُ أَنْ يَعْرِفَ الْمَلِكُ الشَّعْبَ قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ الْبُلْدَانَ.

اِبْتَسَمَ الْمَلِكُ عَجِيبٌ وَقَالَ: لَكِنَّهُ يُحِبُّ السَّفَرَ. لَقَدْ سَمِعْتُ أَنَّهُ يَتَمَنَّى لَوْ كَانَ رَجُلًا عَادِيًّا.

قَالَ الْفَتَى، وَهُوَ يَأْخُذُ تُفَّاحَةً: لَوْ كَانَ رَجُلًا عَادِيًّا، لَنْ يَسْتَطِيعَ أَنْ يُسَافِرَ. كُلُّ حَيَاتِهِ سَوْفَ تَكُونُ بَحْثٌ مُسْتَمِرٌّ عَنِ الْمَالِ وَالطَّعَامِ، ثُمَّ بَحْثٌ عَنْ زَوْجَةٍ بَسِيطَةٍ، تَرْضَى بِالْقَلِيلِ، ثُمَّ بَحْثٌ عَنْ طَعَامٍ لِلْأَطْفَالِ الْجَائِعِينَ.

ضَحِكَ الْمَلِكُ عَجِيبٌ، وَقَالَ: أَنْتَ فَتًى ذَكِيٌّ. رُبَّمَا لَمْ يُفَكِّرِ الْمَلِكُ عَجِيبٌ طَوِيلًا فِي أُمْنِيَّتِهِ.

قَالَ الْفَتَى: لَا أَظُنُّ أَنَّهُ يُفَكِّرُ طَوِيلًا فِي أَيِّ شَيْءٍ.

ضَحِكَ الْمَلِكُ عَجِيبٌ، وَقَالَ: هَلْ تَكْرَهُ الْمَلِكَ بِسَبَبِ الْحُلْمِ؟

أَجَابَ الْفَتَى: أَنَا لَا أَكْرَهُهُ. لَقَدْ سَأَلْتُ عَنْهُ فَقَطْ. أَنَا مُهْتَمٌّ بِالشَّخْصِ الَّذِي سَوْفَ يَقْتُلُنِي.

تَنَهَّدَ الْمَلِكُ عَجِيبٌ، وَقَالَ: لَنْ يَقْتُلَكَ هَذَا الرَّجُلُ أَبَدًا. اِنْسَ هَذَا الْمَلِكَ الْأَحْمَقَ، وَأَخْبِرْنِي عَنْ أَبِيكَ وَأَصْدِقَائِكَ.

اِبْتَسَمَ الْفَتَى وَرَاحَ يُحَدِّثُ الْمَلِكَ عَجِيبًا. بَقِيَ الْفَتَى وَالْمَلِكُ مَعًا تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا، يَأْكُلَانِ، وَيَشْرَبَانِ، وَيَتَحَدَّثَانِ، وَيُغَنِّيَانِ. كَانَ الْفَتَى سَعِيدًا؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ عَلَى رَفِيقٍ، وَكَانَ الْمَلِكُ سَعِيدًا؛ لِأَنَّهُ يُبْعِدُ الْخَوْفَ عَنِ الْفَتَى. وَفِي الْيَوْمِ الْأَرْبَعِينَ، اِسْتَحَمَّ الْفَتَى ثُمَّ نَامَ، وَهُوَ يَشْعُرُ بِالْخَوْفِ. كَانَ الْمَلِكُ يَقْرَأُ كِتَابًا وَيُرَاقِبُ الْفَتَى قَائِلًا: يَجِبُ أَنْ أُحَافِظَ عَلَى سَلَامَتِهِ.

وَقَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، قَامَ الْفَتَى مِنْ نَوْمِهِ، وَقَالَ: لَقَدْ نِمْتُ طَوِيلًا. أَشْعِرُ بِالْعَطَشِ. لَا، لَا أُرِيدُ مَاءً يَا حَسَنُ. هُنَالِكَ بِطِّيخٌ فِي أَحَدِ الصَّنَادِيقِ.

قَامَ الْمَلِكُ، وَأَحْضَرَ الصُّنْدُوقَ، فَرَأَى بِطِّيخًا كَثِيرًا؛ فَصَاحَ: أَيُّهَا الْمُخَادِعُ! لِمَاذَا لَمْ تُخْبِرْنِي أَنَّنَا نَمْلِكُ بِطِّيخًا؟ أَيْنَ هِيَ السِّكْيِنُ؟

ضَحِكَ الْفَتَى، وَقَالَ: أَنْتَ أَكُولٌ يَا حَسَنُ. السِّكْيِنُ هُنَا، مُعَلَّقَةٌ فِي الْجِدَارِ.

صَاحَ الْمَلِكُ عَجِيبٌ، وَهُوَ يَحْمِلُ بِطِّيخَةً: أَيْنَ؟ أَيُّ جِدَارٍ؟

ضَحِكَ الْفَتَى، وَقَالَ: هَذَا الْجِدَارُ. فَوْقِيَ يَا حَسَنُ.

قَفَزَ الْمَلِكُ فَوْقَ سَرِيرِ الْفَتَى، وَمَدَّ يَدَهُ كَيْ يَسْحَبَ السِّكِينَ؛ وَعِنْدَمَا أَخَذَهَا، اِنْزَلَقَتْ قَدَمَهُ، وَسَقَطَتِ الْبِطِّيخَةُ عَلَى الْأَرْضِ، وَسَقَطَ الْمَلِكُ فَوْقَ الْفَتَى وَالسِّكْيِنُ فِي يَدِهِ. طَعَنَتُ السِّكْيِنُ قَلْبَ الْفَتَى؛ فَمَاتَ بِسُرْعَةً. صَاحَ الْمَلِكُ عَجِيبٌ، وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ الْفَتَى وَصَدْرِهِ. قَامَ الْمَلِكُ عَجِيبٌ وَدَاسَ فَوْقَ قِطْعَةِ بِطِّيخٍ فَسَقَطَ، وَهُوَ يَصِيحُ: لَقَدْ قَتَلْتُهُ! لَا! يَا فَتَى! يَا رَبُّ، مَاذَا حَصَلَ الْآنَ؟ رَاحَ الْمَلِكُ يَهُزُّ الْفَتَى لَكِنَّهُ كَانَ سَاكِنًا صَامِتًا، وَكَانَتْ دِمَاؤُهُ دَافِئَةً فَوْقَ قَمِيصِهِ. بَكَى الْمَلِكُ عَجِيبٌ، وَهُوَ يَقُولُ: سَامِحْنِي يَا فَتَى! اِغْفِرْ لِي يَا رَبُّ! أَنَا لَمْ أَقْصِدْ مَا حَصَلَ.

ظَلَّ الْمَلِكُ يَبْكِي طَوِيلًا، ثُمَّ وَقَفَ، وَغَطَّى جَسَدَ الْفَتَى، وَهُوَ يَقُولُ: لَنْ أَنْسَاكَ أَبَدًا يَا فَتَى! أَمَّا الْآنَ، فَيَجِبُ أَنْ أَخْرُجَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ أَبُوكَ وَيَقْتُلَنِي. خَرَجَ الْمَلِكُ مِنَ الْمَخْبَأِ، وَأَعَادَ الصَّخْرَةَ إِلَى مَكَانِهَا، ثُمَّ تَسَلَّقَ شَجْرَةً طَوِيلَةً، وَنَامَ فَوْقَهَا. وَفِي الصَّبَاحِ، اِسْتَيْقَظَ بِسَبَبِ أَصْوَاتٍ. نَظَرَ الْمَلِكُ إِلَى الْأَسْفَلِ، فَرَأَى الشَّيْخَ يَنْزِلُ مِنَ السَّفِينَةِ، وَخَلْفَهُ عَشْرَةُ رِجَالٍ. رَفَعَ الرِّجَالُ الصَّخْرَةَ، فَنَزَلَ الشَّيْخُ وَتَبِعَهُ الرِّجَالُ. أَغْمَضَ الْمَلِكُ عَيْنَيْهِ عِنْدَمَا سَمِعَ صُرَاخَ الشَّيْخَ. سَمِعَ الْمَلِكَ أَصْوَاتَ الرِّجَالِ، وَهُمْ يَبْكُونَ. وبَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةً، خَرَجَ الرِّجَالُ، وَهُمْ يَحْمِلُونَ جُثَّةَ الْفَتَى. صَلَى الْجَمِيعُ صَلَاةَ الْجَنَازَةِ، ثُمَّ دَفَنُوا الْفَتَى، وَغَادَرُوا.

نَزَلَ الْمَلِكُ عَجِيبٌ، وَرَاحَ يُفَكِّرُ فِي طَرِيقَةٍ كَيْ يُغَادِرَ الْجَزِيرَةَ، لَكِنَّهُ لَمْ يَجِدْ أَيَّ طَرِيقٍ؛ فَقَرَّرَ أَنْ يَبْحَثَ عَنْ سُكَّانِ الْجَزِيرَةِ. سَارَ الْمَلِكُ عَجِيبٌ فِي الْجَزِيرَةِ تِسْعَةَ أَيَّامٍ، لَكِنَّهُ لَمْ يَجِدْ أَحَدًا. وَفِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ، رَأَى نَارًا عَظِيمَةً بَعِيدَةً، فَسَارَ نَحْوَهَا بِسُرْعَةٍ. وَعِنْدَمَا وَصَلَ، رَأَى أَمَامَهُ قَصْرًا كَبِيرًا مِنَ النُّحَاسِ. عَرَفَ الْمَلِكُ أَنَّهُ لَمْ يَرَى نَارًا، بَلْ رَأَى اِنْعِكَاسَ ضَوْءِ الشَّمْسِ عَلَى الْقَصْرِ النُّحَاسِي.

رَأَى الْمَلِكُ عَشَرَةَ رِجَالٍ جَالِسِينَ أَمَامَ الْقَصْرِ، فَاِقْتَرَبَ مِنْهُم. كَانَ كُلُّ الرِّجَالِ عُورًا، فَاِسْتَغْرَبَ الْمَلِكُ. سَأَلَ الرِّجَالُ الْمَلِكَ: مَنْ أَنْتَ؟ وَلِمَاذَا جِئْتَ إِلَى هُنَا؟ حَكَى الْمَلِكُ لِلرِّجَالِ قِصَّتَهُ، فَشَعَرُوا بِالدَّهْشَةِ. أَرَادَ الْمَلِكُ أَنْ يَسْأَلَ الرِّجَالَ عَنْ سَبَبِ عَوَرِهِم، لَكِنَّهُ رَأَى كِتَابَةً عَلَى بَابِ الْقَصْرِ: «مَنْ دَخَلَ فِي مَا لَا يَعْنِيهِ، لَقِيَ مَا لَا يُرْضِيهِ»؛ فَصَمَتَ. وَلَمَّا جَاءَ اللَّيْلُ، أَكَلَ الرِّجَالُ وَالْمَلِكُ وَشَرِبُوا، ثُمَّ جَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ. وَعِنْدَ مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ، قَامَ الرِّجَالُ وَلَبِسُوا مَلَابِسَ سُودًا، وَلَطَّخُوا وُجُوهَهُم بِالسَّوَادِ، ثُمَّ رَاحُوا يَبْكُونَ وَيَلْطُمُونَ وُجُوهَهُم، وَهُمْ يَقُولُونَ: هَذَا جَزَاءُ الْفُضُولِ، هَذَا جَزَاءُ مَنْ دَخَلَ فِي مَا لَا يَعْنِيهِ.

ظَلَّ الرِّجَالُ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ سَاعَةً كَامِلَةً، ثُمَّ بَدَّلُوا مَلَابِسَهُم، وَغَسَلُوا وُجُوهَهُم، وَنَامُوا حَتَّى الصَّبَاحِ. أَمَّا الْمَلِكُ فَقَدْ بَقِيَ سَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُفَكِّرُ فِي مَا فَعَلَهُ الرِّجَالُ الْعُورُ. وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي، سَأَلَ الْمَلِكُ الرِّجَالَ الْعُورَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالُوا لَهُ: لَا تَدْخُلْ فِي مَا لَا يَعْنِيكَ.

لَكِنَّ الْمَلِكُ بَقِيَ يَسْأَلُهُم طَوَالَ الْيَوْمِ، فَقَالُوا لَهُ: لَنْ نُخْبِرَكَ عَنْ شَيْءٍ. إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ مَا حَصَلَ، سَوْفَ نُرْسِلُكَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كُنَّا فِيهِ؛ كَيْ تَرَى بِنَفْسِكَ، وَسَوْفَ يَكُونُ ثَمَنُ هَذَا عَيْنَكَ الْيُمْنَى، وَسَوْفَ تَعُودُ إِلَيْنَا أَعْوَرَ، هَلْ أَنْتَ مُوَافِقٌ؟

أَجَابَ الْمَلِكُ: نَعَمْ.

قَامَ الرِّجَالُ، فَذَبَحُوا خَرُوفًا، وَسَلَخُوا جِلْدَهُ، وَرَبَطُوهُ حَوْلَ الْمَلِكِ، وَقَالُوا لَهُ: اِنْتَظِرْ هُنَا حَتَّى يَأْتِيَ طَائِرُ الرِّخِّ؛ كَيْ يَحْمِلَكَ إِلَى قَصْرِ الْعَجَائِبِ. وَبَعْدَ أَنْ تَصِلَ إِلَى الْقَصْرِ، مَزِّقْ جِلْدَ الْخَرُوفِ؛ كَيْ يَهْرُبَ الطَّائِرُ.

وَبَعْدَ دَقَائِقَ، جَاءَ طَائِرُ الرَّخِّ وَحَمَلَ الْمَلِكَ إِلَى قَصْرِ الْعَجَائِبِ. وَعِنْدَمَا مَزَّقَ الْمَلِكُ جِلْدَ الْخَرُوفِ، هَرَبَ الطَّائِرُ. نَظَرَ الْمَلِكُ حَوْلَهُ فَرَأَى حِجَارَةَ الْقَصْرِ مِنْ ذَهَبٍ، وَأَبْوَابُهُ مُزَيَّنَةٌ بِالْأَلْمَاسِ. دَخَلَ الْمَلِكُ إِلَى الْقَصْرِ فَرَأَى أَرْبَعِينَ اِمْرَأَةً، يَلْبَسْنَ ثِيَابًا جَمِيلَةً، لَمْ يَرَى الْمَلِكُ مِثْلَهَا أَبَدًا. نَظَرَتِ النِّسَاءُ إِلَى الْمَلِكِ وَاِبْتَسَمْنَ، وَرَحَّبْنَ بِهِ، وَأَكْرَمْنَهُ. أَحْضَرَتِ النِّسَاءُ ثِيَابًا لِلْمَلِكِ، وَطَعَامًا. وَبَعْدَ أَنْ أَكَلَ الْمَلِكُ، قَالَتِ النِّسَاءُ: نَحْنُ خَادِمَاتُكَ، وَأَنْتَ سَيِّدُ الْقَصْرِ. سَوْفَ نَخْدِمُكَ شَهْرًا كَامِلًا، ثُمَّ نَتْرُكُكَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا. بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، سَوْفَ نَعُودُ إِلَى خِدْمَتِكَ وَلَنْ نُفَارِقَكَ أَبَدًا، وَسَوْفَ يُصْبِحُ هَذَا الْقَصْرُ مِلْكًا لَكَ.

وَبَعْدَ شَهْرٍ كَامِلٍ، وَدَّعَتِ النِّسَاءُ الْمَلِكَ، وَهُنَّ حَزِينَاتٍ، ثُمَّ أَعْطَيْنَهُ أَرْبَعِينَ مِفْتَاحًا، وَقُلْنَ لَهُ: فِي هَذَا الْقَصْرِ أَرْبَعُونَ غُرْفَةٌ. اُدْخُلْ أَيَّ غُرْفَةٍ تُرِيدُ، لَكِنْ لَا تَدْخُلِ الْغُرْفَةَ الْأَخِيرَةَ وإِلَا سَوْفَ تَقَعُ فِي الْخَطَرِ.

فَتَحَ الْمَلِكُ الْغُرْفَةَ الْأُولَى، فَرَأَى حَدِيقَةً وَاسِعَةً جِدًّا وَجَمِيلَةً. قَالَ الْمَلِكُ لِنَفْسِهِ: مَا أَجْمَلَ هَذِهِ الْحَدِيقَةَ! لَمْ أَرَى حَدِيقَةً بِهَذَا الْحَجْمِ وَالْجَمَالِ فِي كُلِّ الْبُلْدَانِ! بَقِيَ الْمَلِكُ فِي تِلْكَ الْغُرْفَةِ طَوَالَ الْيَوْمِ. وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي، فَتَحَ الْغُرْفَةَ الثَّانِيَةَ، فَرَأَى طُيُورًا مِنْ كُلِّ الْأَنْوَاعِ، وَسَمِعَ غِنَاءَ الطُّيُورِ فَاِبْتَسَمَ، وَقَالَ: مَا أَجْمَلَ هَذِهِ الْأَصْوَاتَ! إِنَّهَا أَنْغَامٌ مِنَ الْجَنَّةِ! وَبَقِيَ فِي تِلْكَ الْغُرْفَةِ طَوَالَ الْيَوْمِ. وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، فَتَحَ الْغُرْفَةَ الثَّالِثَةَ، فَرَأَى فِيهَا ذَهَبًا كَثِيرًا. وَفِي الْغُرْفَةِ الرَّابِعَةِ، وَجَدَ كَثِيرًا مِنَ اللُّؤْلُؤِ. وَفِي الْحُجْرَةِ الْخَامِسَةِ، وَجَدَ كَثِيرًا مِنَ الْيَاقُوتِ وَالْمَرْجَانِ. كَانَتِ الْغُرَفُ مَلِيئَةً بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةً، وَكَانَ الْمَلِكُ يَقْضِي يَوْمًا كَامِلًا فِي كُلِّ غُرْفَةٍ. وَفِي الْيَوْمِ الْأَرْبَعِينَ، وَقَفَ أَمَامَ الْغُرْفَةِ الْأَخِيرَةِ، وَهُوَ مُتَرَدِّدٌ. وَبَعْدَ سَاعَاتٍ، قَرَّرَ الْمَلِكُ أَنْ يَدْخُلَ.

كَانَ فِي الْحُجْرَةِ حِصَانًا جَمِيلًا جَاهِزًا لِلرُّكُوبِ، فَقَالَ الْمَلِكُ لِنَفْسِهِ: مَا أَجْمَلَ هَذَا الحِصَانَ! إِنَّهُ قَوِيٌّ وَضَخْمٌ! سَوْفَ أُجَرِّبُهُ ثُمَّ أَحْكُمُ. رَكِبَ الْمَلِكُ الْحِصَانَ، فَطَارَ الْحِصَانُ فِي السَّمَاءِ مُدَّةٍ طَوِيلَةً، ثُمَّ هَبَطَ إِلَى الْأَرْضِ، وَرَمَى الْمَلِكَ، وَضَرَبَهُ بِذَيْلِهِ فِي عَيْنِهِ الْيُمْنَى فَعَوَرَهَا.

شَعَرَ الْمَلِكُ بِالْأَلَمِ. وَعِنْدَمَا اِنْتَهَى الْأَلَمُ، نَظَرَ الْمَلِكُ حَوْلَهُ فَرَأَى الرِّجَالَ الْعُورَ أَمَامَهُ، وَهُم يَقُولُونَ: لَقَدْ نَصَحْنَاكَ لِكِنَّ فُضُولَكَ كَبِيرٌ، وَلَقَدْ حَصَلْتَ عَلَى الْجَزَاءِ. بَقِيَ الْمَلِكُ مَعَ الْعُورِ عَدِّةَ أَيَّامٍ، وَفِي كُلِّ يَوْمٍ، كَانَ يَذْهَبُ إِلَى الشَّاطِئِ وَيَتَسَلَّقُ شَجَرَةً؛ كَيْ يَجِدَ سَفِينَةً. وَبَعْدَ أَيَّامٍ طَوِيلَةٍ، اِقْتَرَبَتْ سَفِينَةٌ مِنَ الْجَزِيرَةِ، فَوَدَّعَ الْمَلِكُ الْعُورَ وَسَافَرَ فِي السَّفِينَةِ؛ كَيْ يَعُودَ إِلَى بِلَادِهِ.

وَعِنْدَمَا وَصَلَ إِلَى بِلَادِهِ، اِسْتَقْبَلَهُ الشَّعْبُ بِفَرَحٍ كَبِيرًا، وَسَأَلُوهُ عَنْ سَبَبِ غِيَابِهِ الطَّوِيلِ، فَحَكَى لَهُمْ قِصَّتَهُ، وَأَمَرَ وَزِيرَهُ أَنْ يَكْتُبَ الْقِصَّةَ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَكْتُبَ عَلَى بَابِ الْقَصْرِ «مَنْ دَخَلَ فِي مَا لَا يَعْنِيهِ، لَقِي مَا لَا يُرْضِيهِ». قَالَ الْمَلِكُ عَجِيبٌ لِوَزِيرِهِ: يَجِبُ أَنْ أَعْرِفَ الشَّعْبَ قَبْلَ أَنْ أَعْرِفَ الْبُلْدَانَ. بَقِيَ الْمَلِكُ عَجِيبٌ فِي بِلَادِهِ وَلَمْ يُسَافِرْ أَبَدًا.

(1) رَبَطَ الْعُورُ حَوْلَ الْمَلِكِ عَجِيبٍ جِلْدَ ......................

Anonlearner
May Allah reward you so much. this is a great help and the stories are great. Jazakum Allah khyrn for making them suitable for learners
anonymos
assalamu alaykum. jazakumulahukhair. i am a native arabic speaker and my child needs to improve his arabic.

Your email address will not be published. Required fields are marked *

@