تَاجِرُ بَغْدَادَ

تَاجِرُ بَغْدَادَ

This Arabic story is for learners of Arabic as a foreign language. We took it from a book written by Kamil Keilany, an Egyptian writer and a poet. The original text was written for native speakers of Arabic. To make it suitable for learners of Arabic as a foreign language, it has been abridged, appropriately simplified, and slightly modified. Some of the details in the original story have been left out. Also, sentence structures are tailored for learners of Arabic as a foreign language. This Arabic story is suitable for intermediate to upper-intermediate learners.

source: Hindawi Foundation for Education and Culture

فِي بَغْدَادَ، فِي عَهْدِ هَارُونَ الرَّشِيدِ، عَاشَ تَاجِرٌ اِسْمُهُ عَلِيٌّ كُوجْيَا. كَانَ التَّاجِرُ عَلِيٌّ كُوجْيَا يَمْلِكُ ثَرْوَةً صَغِيرَةً وَدُكَّانًا صَغِيرًا، لَكِنَّهُ كَانَ تَاجِرًا نَشِيطًا، وَكَانَ يَمْلِكُ بَيْتًا، وَيَعِيشُ فِي رَاحَةٍ، وَيَدَّخِرُ مَالًا كَثِيرًا.

وَفِي إِحْدَى اللَّيَالِي، رَأَى التَّاجِرُ عَلِيٌّ حُلْمًا. رَأَى عَلِيٌّ شَيْخًا فِي الْحُلْمِ. كَانَ الشِّيْخُ يَنْظُرُ إِلَى عَلِيٍّ بِغَضَبٍ، قَالَ الشَّيْخُ: اِذْهَبْ إِلَى الْحَجِّ يَا عَلِيُّ. سَافِرْ إِلَى مَكَّةَ. اِذْهَبْ، لَا تُخَالِفْ كَلَامِي!

وَفِي الصَّبَاحِ، فَكَّرَ عَلِيٌّ فِي الْحُلْمِ، لَكِنَّهُ نَسِيَهُ عِنْدَمَا جَاءَ زَبُونٌ إِلَى دُكَّانِهِ. وَفِي اللَّيْلَةِ التَّالِيَةِ، رَأَى عَلِيٌّ الشِّيْخَ. كَانَ الشَّيْخُ يَأْمُرُ عَلِيًّا أَنْ يَذْهَبَ إِلَى الْحَجِّ. وَفِي الصَّبَاحِ، فَكَّرَ عَلِيٌّ فِي الْحُلْمِ قَلِيلًا. وَفِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، رَأَى عَلِيٌّ نَفْسَ الشِّيْخِ. اِسْتَيْقَظَ عَلِيٌّ مِنْ نَوْمِهِ، وَقَالَ لِنَفْسِهِ: هَذَا كَثِيرٌ! مَاذَا يُرِيدُ هَذَا الشَّيْخُ مِنِّي؟ لَا مُشْكِلَةَ فِي الْحَجِّ. أَنَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ، وَأَقُومُ بِكُلِّ الْفَرَائِضِ، لَكِنِّي لَا أُرِيدُ أَنْ أَتْرُكَ بَلَدِي هَذَا. آهٍ! لَا، ذَلِكَ الشَّيْخُ مُخِيفٌ.... سَوْفَ أَذْهَبُ إِلَى الْحَجِّ؛ لِأَنِّي أَسْتَطِيعُ. هَلْ أَذْهَبُ إِلَى الْحَجِّ؟ هَلْ أَسْمَعُ كَلَامَ الشَّيْخِ؟

فَكَّرَ عَلِيٌّ طَوِيلًا، وَفِي النِّهَايَةِ قَرَّرَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى الْحَجِّ؛ فَبَاعَ دُكَّانَهُ، وَأَجَّرَ بَيْتَهُ، وَحَمَلَ بَعْضَ الْبَضَائِعِ الثَّمِينَةِ؛ كَيْ يَبِيعَهَا فِي مَكَّةَ بِمَالٍ كَثِيرٍ.

وَبَعْدَ أَنْ جَهَّزَ عَلِيٌّ كُلَّ شَيْءٍ، وَجَدَ مَعَهُ أَلْفَ دِينَارٍ. لَمْ يَكُنْ عَلِيٌّ يَحْتَاجُ تِلْكَ النُّقُودَ، وَخَافَ أَنْ يَحْمِلَهَا مَعَهُ إِلَى مَكَّةَ. قَالَ عَلِيٌّ لِنَفْسِهِ: سَوْفَ تَضِيْعُ كُلُّ ثَرْوَتِي إِذَا سَرَقَ لِصٌّ هَذِهِ النُّقُودَ. سَوْفَ أُخْفِي هَذِهِ النُّقُودَ. أَيْنَ أَضَعُهَا؟

نَظَرَ عَلِيٌّ إِلَى الْبَيْتِ، وَفَكَّرَ أَنْ يَضَعَ النُّقُودَ فِي حُفْرَةً، لَكِنَّهُ قَالَ لِنَفْسِهِ: لَوْ حَفَرَ شَخْصٌ، سَوْفَ يَجِدُهَا. سَوْفَ أَتْرُكُهَا أَمَانَةً عِنْدَ صَدِيقِي التَّاجِرِ حَسَنٍ. اِشْتَرَى عَلِيٌّ جَرَّةً كَبِيرَةً وَزَيْتُونًا. وَضَعَ عَلِيٌّ النُّقُودَ فِي الْجَرَّةِ، ثُمَّ وَضَعَ الزَّيْتُونَ فَوْقَهَا، حَتَّى اِمْتَلَأَتِ الْجَرَّةُ. أَغْلَقَ عَلِيٌّ الْجَرَّةَ بِقُوَّةٍ، ثُمَّ حَمَلَهَا إِلَى صَاحِبِهِ حَسَنٍ. قَالَ عَلِيٌّ لِحَسَنٍ: أُرِيدُ أَنْ أَذْهَبَ إِلَى الْحَجِّ يَا صَدِيقِي، لِكِنَّ عِنْدِي أَمَانَةٌ. أُرِيدُ أَنْ تَحْفَظَ جَرَّةَ الزَّيْتُونِ هَذِهِ عِنْدَكَ حَتَّى أَعُودَ. سَوْفَ آخُذُ الْجَرَّةَ بَعْدَ أَنْ أَعُودَ إِلَى بَغْدَادِ.

اَبْتَسَمَ التَّاجِرُ حَسَنٌ، وَقَالَ: سَوْفَ أَحْفَظُ هَذِهِ الْجَرَّةَ عِنْدِي حَتَّى تَعُودَ. أَنَا سَعِيدٌ لِأَنَّكَ تَثِقُ بِي. ثُمَّ أَعْطَى حَسْنٌ مِفْتَاحَ الْمَخْزَنِ لِعَلِيٍّ، وَقَالَ: خُذْ هَذَا المِفْتَاحَ، وَاِذْهَبْ إِلَى مَخْزَنِي. ضَعِ الْجَرَّةَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يُعْجِبُكَ. وَبَعْدَ أَنْ تَعُودَ، خُذَ الْجَرَّةَ مِنْ نَفْسِ الْمَكَانِ.

شَكَرَ عَلِيٌّ حَسَنًا، وَوَضَعَ الْجَرَّةَ فِي الْمَخْزَنِ. سَافَرَ عَلِيٌّ، وَهُوَ مُرْتَاحٌ. وَبَعْدَ أَنْ حَجَّ عَلِيٌّ، ذَهَبَ إِلَى السُّوقِ؛ كَيْ يَبِيعَ الْبَضَائِعَ الَّتِي أَحْضَرَهَا مِنْ بَغْدَادَ. وَعِنْدَمَا كَانَ عَلِيٌّ فِي السُّوقِ، وَقَفَ أَمَام بَضَائِعِهِ تَاجِرَانِ. أُعْجِبَ التَّاجِرَانِ بِبَضَائِعِ عَلِيٍّ، وَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: لَوْ أَنْ هَذَا التَّاجِرَ بَاعَ هَذِهِ الْبِضَاعَةَ فِي الْقَاهِرَةِ، لَحَصَلَ عَلَى مَالٍ كَثِيرٍ.

سَمِعَ عَلِيٌّ كَلَامَ الرَّجُلِينِ؛ فَقَرَّرَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى الْقَاهِرَةِ؛ كَيْ يَحْصُلَ عَلَى مَالٍ كَثِيرٍ، وكَيْ يُشَاهِدَ آثَارَ مِصْرَ. سَافَرَ عَلِيٌّ إِلَى الْقَاهِرَةِ، وَبَاعَ بَضَائِعَهُ بِثَمَنٍ غَالٍ جِدًّا؛ فَشَعَرَ بِالسَّعَادَةِ؛ لِأَنَّهُ صَدَّقَ كَلَامَ الرَّجُلَينِ. فَكَّرَ عَلِيٌّ: أَهْلُ هَذِهِ البِلَادِ لَا يَعْرِفُونَ مَا فِي الْبُلْدَانِ الْأُخْرَى. سَوْفَ أَشْتَرِي بِضَاعَةً مِنْ الْقَاهِرَةِ وَأَبِيعُهَا فِي دِمَشْقَ. بَحَثَ عَلِيٌّ عَنْ قَافِلَةِ دِمَشْقَ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهَا سَوْفَ تُسَافِرُ بَعْدَ عَشْرَةِ أَسَابِيعَ، وَلِذَلِكَ ذَهَبَ إِلَى الْجِيزَةِ؛ كَيْ يَرَى الْأَهْرَامَاتِ. بَقِيَ عَلِيٌّ يَتَجَوَّلُ فِي مِصْرَ، وَيَشْتَرِي الْبَضَائِعَ. وَعِنْدَمَا حَانَ وَقْتُ السَّفَرِ، حَمَلَ بَضَائِعَهُ وَذَهَبَ إِلَى دِمَشْقَ.

تَوَقَّفَتِ الْقَافِلَةُ فِي الْقُدْسِ؛ كَيْ يَسْتَرِيحَ الْمُسَافِرُونَ، لَكِنَّ عَلِيًّا حَمَلَ بَضَائِعَهُ وَذَهَبَ إِلَى السُّوقِ. بَاعَ عَلِيٌّ بَعْضَ بِضَائِعِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى؛ كَيْ يُشَاهِدَهُ.

وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي، وَاصَلَتِ الْقَافِلَةُ طَرِيقَهَا. وَصَلَتِ الْقَافِلَةُ إِلى دِمَشْقَ، وَضَعَ عَلِيٌّ بَضَائِعَهُ فِي الْفُنْدُقِ وَخَرَجَ؛ كَيْ يَتَجَوَّلَ. مَشَى عَلِيٌّ فِي شَوَارِعِ دِمَشْقَ، وَهُوَ يَبْتَسِمُ. قَالَ عَلِيٌّ لِنَفْسِهِ: هَذِهِ أَجْمَلُ الْمُدُنِ! الْهَوَاءُ هُنَا لَطِيفٌ، وَالْمِيَاهُ عَذْبَةٌ، وَالْفَاكِهَةُ لَذِيذَةٌ، وَالْحَدَائِقُ جَمِيلَةٌ.

وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي، ذَهَبَ عَلِيٌّ إِلَى السُّوقِ، فَبَاعَ وَاِشْتَرَى. عَرَفَ عَلِيٌّ الْكَثِيرَ مِنَ الأَشْخَاصِ. وَبَعْدَ عَامٍ، قَرَّرَ عَلِيٌّ أَنْ يُسَافِرَ إِلَى مُدُنٍ أُخْرَى. بَقِي عَلِيٌّ يُسَافِرُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى آخَرَ، حَتَّى وَصَلَ إِلَى بِلَادِ فَارِسَ. اِسْتَفَادَ عَلِيٌّ كَثِيرًا مِنَ الْمَعَارِفِ. قَالَ عَلِيٌّ لِنَفْسِهِ: هَذِهِ الرَّحَلَاتُ مُفِيدَةٌ. حَفِظَ اللَّهُ ذَلِكَ الشَّيْخَ الَّذِي جَاءَ فِي الْحُلْمِ!

وَفِي بَغْدَادَ، بَقِيَتِ الْجَرَّةُ فِي مَكَانِهَا. لَمْ يُفَكِّرْ التَّاجِرُ حَسَنٌ فِي الْجَرَّةِ، لَكِنَّهُ تَذَكَّرَهَا ذَاتَ لِيْلَةٍ. كَانَ التَّاجِرُ حَسَنٌ يَتَعَشَّى مَعَ زَوْجَتِهِ. قَالَتِ الزَّوْجَةُ: إِنَّ نَفْسِي تَشْتَهِي الزَّيْتُونَ. أَنْتَ لَمْ تَشْتَرِ لَنَا زَيْتُونًا مُنْذُ وَقْتٍ طَوِيلٍ.

أَكَلَ حَسَنٌ لُقْمَةً، ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ تَذَكَّرْتُ الْآنَ جَرَّةَ صَدِيقِي عَلِيٍّ. إِنَّهُ لَمْ يَعُدْ مِنْذُ سَبْعِ سَنَوَاتٍ. لَا أَدْرِي مَا سَبَبُ هَذَا الْغِيَابِ. لَقَدْ أَخْبَرَنِي تَاجِرٌ أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى مِصْرَ بَعْدَ الْحَجِّ. أَظُنُّ أَنَّهُ مَاتَ؛ لِذَلِكَ سَوْفَ أُحْضِرُ لَنَا بَعْضَ الزَّيْتُونِ مِنْ جَرَّتِهِ. أَحْضِرِي لِي مِصْبَاحًا وَصَحْنًا، سَوْفَ نَأْكُلُ مَا فِي جَرَّتِهِ، إِذَا كَانَ صَالِحًا لِلْأَكْلِ.

قَالَتِ الزَّوْجَةُ: لَا أُرِيدُ شَيْئًا مِنْ جَرَّةِ عَلِيٍّ كُوجْيَا. لَا تَلْمِسْ جَرَّتَهُ؛ إِنَّهَا أَمَانَةٌ عِنْدَكَ. سَوْفَ تَكُونُ خَائِنًا!

قَالَ حَسَنٌ: لَقَدْ مَاتَ الرَّجُلُ يَا اِمْرَأَةُ.

قَالَتِ الزَّوْجَةُ: لَقَدْ غَابَ سَبْعَ سَنَوَاتٍ فَقَطْ. سَوْفَ يَعُودُ وَيَسْأَلُ عَنْ جَرَّتِهِ. اللَّهُ سَوْفَ يَغْضَبُ مِنْكَ، النَّاسُ سَوْفَ يَعْرِفُونَ أَنَّكَ خَائِنٌ. لَا تُتْعِبْ نَفْسَكَ، فَأَنَا لَنْ آكُلَ زَيْتُونَ عَلِيٍّ كُوجْيَا. أَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ فَسَدُ بَعْدَ كُلِّ هَذِهِ السَّنَوَاتِ.

هَزَّ حَسَنٌ رَأْسَهُ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ، لَكِنَّهُ كَانَ يُفَكِّرُ فِي الْجَرَّةِ. وبَعْدَ أَنْ خَرَجَتْ زَوْجَتُهُ مِنَ الْغُرْفَةِ، حَمَلَ حَسَنٌ مِصْبَاحًا وَصَحْنًا وذَهَبَ إِلَى الْمَخْزَنِ. فَتَحَ حَسَنٌ غِطَاءَ الْجَرَّةِ، وَنَظَرَ إِلَى الزَّيْتُونِ. كَانَ الزَّيْتُونُ فَاسِدًا. قَالَ حَسَنٌ: هَلْ فَسُدَ كُلُّ هَذَا الزَّيْتُونِ؟ هَذِهِ خَسَارَةٌ كَبِيرَةٌ! رُبَّمَا يُوجَدُ بَعْضُ الزَّيْتُونِ الصَّالِحِ فِي الْأَسْفَلِ.

أَمَالَ حَسَنٌ الْجَرَّةَ؛ كَيْ يَنْظُرَ إِلَى الْأَسْفَلِ. سَقَطَ بَعْضُ الزَّيْتُونِ الفَاسِدِ إِلَى الصَّحْنِ، وَسَقَطَ دِيْنَارَانِ. سَمِعَ حَسَنٌ رَنِينَ الدَّنَانِيرِ، فَنَظَرَ إِلَى الصَّحْنِ. اِسْتَغْرَبَ حَسَنٌ، لَكِنَّهُ عَادَ لِيَنْظُرَ إِلَى دَاخِلِ الْجَرَّةِ. أَبْعَدَ حَسَنٌ الزَّيْتُونَ، فَرَأَى دَنَانِيرَ كَثِيرَةً. عَرَفَ حَسَنٌ أَنَّ عَلِيًّا وَضَعَ الزَّيْتُونَ فِي أَعْلَى الْجَرَّةِ. غَطَّى حَسَنٌ الْجَرَّةَ وَعَادَ إِلَى بَيْتِهِ. قَالَ حَسَنٌ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَى حَقٍّ يَا زَوْجَتِي؛ الزَّيْتُونُ فَاسِدٌ. لَقَدْ أَغْلَقْتُ الْجَرَّةَ جَيِّدًا. إِذَا عَادَ عَلِيٌّ، لَنْ يَعْرِفَ أَنِّي فَتَحْتُ الْجَرَّةَ. أَنَا أَظُنُّ أَنَّ عَلِيًّا قَدْ مَاتَ.

ذَهَبَ حَسَنٌ إِلَى غُرْفَتِهِ، وَرَاحَ يُفَكِّرُ فِي طَرِيقَةٍ؛ كَيْ يَسْرِقَ الدَّنَانِيرَ. وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي، ذَهَبَ حَسَنٌ إِلَى السُّوقِ وَاِشْتَرَى زَيْتُونًا كَثِيرًا، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى الْمَخْزَنِ. أَخْرَجَ حَسَنٌ كُلَّ الدَّنَانِيرِ، وَوَضَعَ الزَّيْتُونَ مَكَانَهَا.

وَبَعْدَ شَهْرٍ، عَادَ عَلِيٌّ مِنْ سَفَرِهِ. ذَهَبَ عَلِيٌّ إِلَى فُنْدُقٍ، وَهُو يُفَكِّرُ: يَجِبُ أَنْ أَذْهَبَ إِلَى الرَّجُلِ الَّذِي يَسْكُنُ فِي بَيْتِي؛ كَيْ أَتَّفِقَ مَعَهُ عَلَى مَوْعِدِ خُرُوجِهِ مِنَ الْبَيْتِ. وَيَجِبُ أَنْ أَذْهَبَ إِلَى بَيْتِ حَسَنٍ؛ كَيْ آخُذَ الْجَرَّةَ. سَوْفَ أَذْهَبُ غَدًا.

وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي، ذَهَبَ عَلِيٌّ إِلَى بَيْتِ حَسَنٍ. عِنْدَمَا رَأَى حَسَنٌ عَلِيًّا، ضَحِكَ وَصَاحَ: أَهْلًا بِالْغَائِبِ! أَنْتَ لَمْ تَشْتَقْ إِلَيْنَا يَا عَلِيُّ! لِمَاذَا غِبْتَ طَوِيلًا؟ لَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّكَ مُتَّ.

عَانَقَ حَسَنٌ عَلِيًّا، وَهُوَ يَقُولُ: أَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى سَلَامَتِكَ.

شَكَرَ عَلِيٌّ حَسَنًا، وَجَلَسَ عِنْدَهُ؛ كَيْ يَحْكِي لَهُ عَنْ سَفَرِهِ. وَقَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، قَالَ عَلِيٌّ: هَلْ تَذْكُرُ الْجَرَّةَ الَّتِي تَرَكْتُهَا عِنْدَكَ قَبْلَ سَفَرِي؟

أَجَابَ حَسَنٌ: نَعَمْ، أَذْكُرُهَا. خُذْ هَذَا الْمِفْتَاحَ، وَاِذْهَبْ إِلَى الْمَخْزَنِ. أَنْتَ تَذْكُرُ أَيْنَ وَضَعْتَهَا، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ اِذْهَبْ وَخُذْهَا. لَمْ يَلْمِسْ أَحَدٌ الْجَرَّةَ.

ذَهَبَ عَلِيٌّ إِلَى الْمَخْزَنِ وَأَخَذَ الْجَرَّةَ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْفُنْدُقِ. أَغْلَقَ عَلِيٌّ بَابَ غُرْفَتِهِ فِي الْفُنْدُقِ، ثُمَّ فَتَحَ الْجَرَّةَ. لَمْ يَجِدْ عَلِيٌّ نُقُودَهُ. قَلَبَ عَلِيٌّ الْجَرَّةَ، لَكِنَّهُ لَمْ يَجِدْ أَيَّ دِينَارٍ. غَضِبَ عَلِيٌّ وَحَزِنَ؛ لِأَنَّ صَدِيقَهُ خَانَهُ. قَالَ عَلِيٌّ لِنَفْسِهِ: كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّهُ رَجُلٌ أَمِينٌ، لَكِنَّهُ لِصٌّ خَائِنٌ. أَيْنَ مَالِي الَّذِي بَقِيتُ أَجْمَعُهُ قَبْلَ أَنْ أُسَافِرَ؟ أَيْنَ هُوَ؟ مَاذَا فَعلَ بَهِ ذَلِكَ اللِّصُّ؟

خَرَجَ عَلِيٌّ مِنَ الْفُنْدُقِ، وَذَهَبَ إِلَى بَيْتِ حَسَنٍ. طَرَقَ عَلِيٌّ الْبَابَ بِقُوَّةٍ، وَصَاحَ: يَا حَسَنُ! أَيْنَ أَنْتَ؟

خَرَجَ حَسَنٌ، وَهُوَ يَبْتَسِمُ. سَأَلَ حَسَنٌ عَلِيًّا: مَا الْأَمْرُ يَا عَلِيُّ؟ هَلْ هُنَالِكَ مُشْكِلَةٌ؟

أَجَابَ عَلِيٌّ: نَعَمْ، لَقَدْ أَخَذْتُ الْجَرَّةَ مِنْ مَخْزَنِكَ، وَفَتَحْتُهَا. أَنَا لَمْ أَمْلَأِ الْجَرَّةِ بِالزَّيْتُونِ، بِل بِأَلْفِ دِينَارٍ ذَهَبِيٍّ، ثُمَّ وَضَعْتُ الزَّيْتُونَ فَوْقَهَا. لَكِنَّ الْجَرَّةَ مَلِيئَةٌ بِالزَّيْتُونِ، وَلَمْ أَجِدْ دِينَارًا وَاحِدًا. فَقُلْتُ لِنَفْسِي: رُبَّمَا اِحْتَاجَ صَاحِبِي إِلَى الْمَالِ. أَنَا لَا أَحْتَاجُ الْمَالَ الْآنَ، أَنَا سَعِيدٌ لِأَنِّي قَدَّمْتُ لَكَ الْمُسَاعَدَةَ. عِنْدَمَا تَقْدِرُ عَلَى رَدِّ مَالِي، تَعَالَ إِلَيَّ. أَنَا لَا أُرِيدُ أَنْ أَطْلُبَ الْمَالَ الْآنَ، كُلُّ مَا أُرِيدُهُ هُوَ أَنْ تُخْبِرَنِي بِالْحَقِيقَةِ.

قَالَ حَسَنٌ: هَلْ لَمِسْتُ جَرَّتَكَ عِنْدَمَا أَحْضَرْتَهَا؟ لَقَدْ وَضَعْتَ الْجَرَّةَ فِي الزَّاوِيَةِ الْيُمْنَى، وَعُدْتَ وَهِيَ فِي مَكَانِهَا. لَمْ يَفْتَحْ أَحَدٌ الْجَرَّةَ، وَلَمْ يُحَرِّكْهَا مِنْ مَكَانِهَا. هَلْ تَغَيَّرَ الْغِطَاءُ؟ مَا الْمُشْكِلَةُ يَا صَدِيقِي؟ لَقَدْ أَخْبَرْتَنِي أَنَّ فِيهَا زَيْتُونًا، وَأَنَا لَمْ أَفْتَحْهَا أَبَدًا. أَنْتَ الْآنَ تَقُولُ أَنَّ فِيهَا ذَهَبًا، لَكِنِّي لَا أَعْرِفُ شَيْئًا.

قَالَ عَلِيٌّ: لَا تَكْذِبْ يَا صَاحِبِي. أَنَا لَا أُرِيدُ الْمَالَ الْآنَ. أَخْبِرْنِي الْحَقِيقَةَ فَقَطْ.

لَمْ يَعْتَرِفْ حَسَنٌ بِالْحَقِيقَةِ، فَغَضِبَ عَلِيٌّ وَقَالَ: أَنْتَ خَائِنٌ يَا حَسَنُ، سَوْفَ أَفْضَحُكَ بِيْنَ النَّاسِ. سَوْفَ يَعْرِفُ الْجَمِيعُ أَنَّكَ خَائِنٌ.

صَاحَ حَسَنٌ: أَنَا لَا أَكْذِبُ يَا عَلِيُّ! رُبَّمَا أَنْتَ مَنْ يَكْذِبُ، لِمَاذَا لَمْ تُخْبِرْنِي عِنْدَمَا سَافَرْتَ أَنَّ فِيهَا ذَهَبًا؟ لِمَاذَا الْآنَ؟ أَنْتَ تَتَّهِمُنِي بِالْبَاطِلِ. أَنْتَ الْكَاذِبُ! اِذْهَبِ الْآنَ! هَلْ تَعُودُ بَعْدَ سَنَوَاتٍ طَوِيلَةٍ؛ كَيْ تَتَّهِمَ النَّاسَ؟!

اِجْتَمَعَ النَّاسُ حَوْلَ عَلِيٍّ وَحَسَنٍ، وَهُمْ يَسْأَلُونَ عَنْ سَبَبِ الصِّيَاحِ. أَخْبَرَ عَلِيٌّ النَّاسَ بِالْقِصَّةِ، فَذَهَبَ النَّاسُ إِلَى حَسَنٍ؛ كَيْ يَعْرِفُوا الْحَقِيقَةَ. قَالَ حَسَنٌ: لَقَدْ صَدَقَ عِنْدَمَا قَالَ إِنَّهُ وَضَعَ فِي مَخْزَنِي جَرَّةَ زَيْتُونٍ. وَلَقَدْ كَذَبَ عِنْدَمَا قَالَ إِنَّنِي فَتَحْتُ جَرَّتَهُ. أَنَا لَمْ أَفْتَحْ جَرَّتَهُ، وَلَا أَعْرِفُ هَلْ فِيهَا زَيْتُونٌ أَوْ ذَهَبٌ. أَنَا أُقْسِمُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ أَنِّي لَمْ أَعْرِفْ أَنَّ فِي الْجَرَّةِ زَيْتُونًا إِلَا مِنْ عَلِيٍّ.

صَدَّقَ النَّاسُ كَلَامَ حَسَنٍ، قَالُوا: لَنْ يُقْسِمَ التَّاجِرُ حَسَنٌ عَلَى الْكَذَبِ. صَاحَ النَّاسُ: كَيْفَ تَتَّهِمُ التَّاجِرَ حَسَنًا؟ لَقَدْ أَخْبَرْتَهُ أَنَّ فِي الْجَرَّةِ زَيْتُونًا، وَالْآنَ تَقُولُ إِنَّ فِي الْجَرَّةِ ذَهَبًا. اِرْحَلْ أَيُّهَا الْكَاذِبُ!

صَاحَ عَلِيٌّ: سَوْفَ أَشْتَكِي إِلَى الْقَاضِي. لَنْ تَسْتَفِيدَ شَيْئًا مِنَ الْكَذِبِ. هَذَا الْقَسَمُ كَاذِبٌ. سَوْفَ تَنْدَمُ. تَعَالَ مَعِي إِلَى الْقَاضِي، إِذَا كُنْتَ صَادِقًا!

صَاحَ حَسَنٌ: سَوْفَ آتِي! اِبتَعِدُوا! سَوْفَ نَرَى نِهَايَةَ اِتِّهَامِكَ!

ذَهَبَ عَلِيٌّ وَحَسَنٌ إِلَى الْقَاضِي. حَكَى عَلِيٌّ الْقِصَّةَ لِلْقَاضِي، فَسَأَلَهُ الْقَاضِي: هَلْ عِنْدَكَ شُهُودٌ؟

أَجَابَ عَلِيٌّ: لَا، لَقَدْ كُنْتُ أَثِقُ بِصَدِيقِي؛ لِذَلِكَ لَمْ أُحْضِرْ شُهودًا.

نَظَرَ الْقَاضِيُ إِلَى حَسَنٍ، وَسَأَلَهُ: مَاذَا تَقُولُ أَنْتَ؟

قَالَ حَسَنٌ: هَذَا الرَّجُلُ كَاذِبٌ. أَنَا لَا أَعْرِفُ مَا فِي جَرَّتِهِ؛ لِأَنِّي لَمْ أَفْتَحْهَا. لَقَدْ قَالَ لِي إِنَّ فِيهَا زَيْتُونًا، وَأَنَا صَدَّقْتُهُ. وَالْآنَ قَالَ إِنَّ فِيهَا ذَهَبًا. إِنَّ هَذَا كَذِبٌ! أَنَا صَادِقٌ فِيمَا أَقُولُ. هَلْ أُقْسِمُ عَلَى ذَلِكَ؟

قَالَ الْقَاضِي: اِقْسِمْ عَلَى هَذَا.

قَالَ حَسَنٌ: أَنَا أُقْسِمُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، أَنِّي لَمْ أَفْتَحِ الْجَرَّةَ، وَلَمْ أَنْظُرْ إِلَى مَا فِيهَا.

قَالَ الْقَاضِي: لَقَدْ أَقْسَمْتَ، إِذَنْ أَنْتَ بَرِيءٌ. ثُمَّ نَظَرَ إِلَى عَلِيٍّ وَقَالَ: أَنْتَ لَا تَمْلِكُ شُهودًا، وَلِيْسَ عِنْدَكَ دَلِيلٌ.

غَضِبَ عَلِيٌّ، وَصَاحَ: هَذَا الرَّجُلُ لِصٌّ، لِمَاذَا جَعَلْتَهُ بَرِيئًا؟ سَوْفَ أَشْتَكِي إِلَى الْخَلِيفَةِ هَارُونَ الرَّشِيدِ. الْخَلِيفَةُ سَوْفَ يُعْطِينِي حَقِّي.

طَرَدَ الْقَاضِي عَلِيًّا مِنَ الْمَحْكَمَةِ؛ فَخَرَجَ عَلِيٌّ، وَهُوَ يَصِيحُ؛ وَخَرَجَ حَسَنٌ، وَهُوَ سَعِيدٌ بِبَرَاءَتِهِ وَبِمَالِهِ الْمَسْرُوقِ.

ذَهَبَ عَلِيٌّ إِلَى الْفُنْدِقِ بَعْدَ أَنْ اِشْتَرَى حِبْرًا وَأَوْرَاقًا وَرِيشَةً. جَلَسَ عَلِيٌّ أَمَامَ الْأَوْرَاقِ، وَهُوَ يَقُولُ: لَنْ أُسَامِحَكَ يَا حَسَنُ، وَلَنْ أَسْمَحَ لَكَ أَنْ تَهْرُبَ بِمَالِي. الْمَالُ الَّذِي بَقِيتُ أَجْمَعُهُ طَوَالَ السِّنِينِ الْمَاضِيَةِ.

أَمْسَكَ عَلِيٌّ الرِّيْشَةَ، وَرَاحَ يَكْتُبُ الشَّكْوَى. كَتَبَ عَلِيٌّ كُلَّ مَا حَصَلَ مَعَهُ. وَفِي يَوْمِ الْجُمْعَةِ، ذَهَبَ عَلِيٌّ إِلَى الْمَسْجِدِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الْخَلِيفَةُ. وَبَعْدَ أَنْ اِنْتَهَتِ الصَّلَاةُ، خَرَجَ عَلِيٌّ بِسُرْعَةٍ وَوَقَفَ فِي الطَّرِيقِ. خَرَجَ الْخَلِيفَةُ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَرَكِبَ حِصَانَهُ. مَشَى مُوْكِبُ الْخَلِيفَةِ فِي الطَّرِيقِ. اِقْتَرَبَ عَلِيٌّ مِنَ الْمَوْكِبِ وَرَفَعَ يَدَهُ، وَهُوَ يُمْسِكُ الشَّكْوَى. اِقْتَرَبَ رَئِيسُ الْعَسَاكِرِ مِنْ عَلِيِّ وَأَخَذَ الْوَرَقَةَ. كَانَ رَئِيسُ الْعَسَاكِرِ يَجْمَعُ الشَّكَاوَى. وَكَانَ الْخَلِيفَةُ يَقْرَأُ الشَّكَاوَى بَعْدَ أَنْ يَعُودَ إِلَى الْقَصْرِ، ثُمَّ يُقَرِّرُ الْيَوْمَ الَّذِي سَوْفَ يَقْضِي فِي الشَّكْوَى.

ذَهَبَ عَلِيٌّ إِلَى قَصْرِ الْخَلِيفَةِ، وَوَقَفَ أَمَامَ الْبَابِ. وَبَعْدَ مُدَّةٍ، خَرَجَ رَئِيسُ الْعَسَاكِرِ وَقَالَ لَهُ: الْخَلِيفَةُ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَ إِلَى قَصْرِهِ غَدًا؛ كَيْ يَقْضِي بَيْنَكَ وَبَيْنَ خَصْمِكَ. أَعْطِنِي عِنْوَانَ خَصْمِكَ؛ سَوْفَ نُرْسِلُ مِنْ يَأْمُرُهُ بِالْحُضُورِ غَدًا.

فَرِحَ عَلِيٌّ فَرَحًا كَبِيرًا بِالْخَبَرِ، وَعَادَ إِلَى الْفُنْدُقِ. وَفِي اللَّيْلِ، خَرَجَ الْخَلِيفَةُ مِنْ قَصْرِهِ، وَمَعَهُ وَزِيرُهُ جَعْفَرٌ، وَرَئِيسُ الْخَدَمِ مَسْرُورٌ. كَانَ الثَّلَاثَةُ يَلْبَسُونَ مَلَابِسَ التُّجَّارِ. كَانَ الْخَلِيفَةُ يَخْرُجُ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي إِلَى الْمَدِينَةِ؛ كَيْ يَرَى أَحْوَالَ الشَّعْبِ. كَانَ الْخَلِيفَةُ يَلْبَسُ مَلَابِسَ التُّجَّارِ؛ حَتَّى لَا يَعْرِفَهُ أَحَدٌ.

سَارَ الْخَلِيفَةُ وَجَعْفَرٌ وَمَسْرُورٌ فِي الطَّرِيقِ طَوِيلًا، وَهُمْ يَتَحَدَّثُونَ. وَفِي إِحْدَى الطُّرُقَاتِ، سَمِعُوا صِيَاحًا، فَاِقْتَرَبَ الْخَلِيفَةُ؛ كَيْ يَرَى السَّبَبَ. كَانَتِ الْأَصْوَاتُ قَادِمَةً مِنْ فِنَاءِ أَحَدِ الْبُيُوتِ. رَأَى الْخَلِيفَةُ ثُقْبًا فِي الْبَابِ، فَاِقْتَرَبَ.  رَأَى الْخَلِيفَةُ أَطْفَالًا يَتَكَلَّمُونَ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ. كَانَ الْأَطْفَالُ يَلْعَبُونَ. اَقْتَرَبَ الْخَلِيفَةُ أَكْثَرَ؛ كَيْ يَسْمَعَ الَّذِي يَقُولُونَهُ.

سَمِعَ الْخَلِيفَةُ أَحَدَ الْأَطْفَالِ يَقُولُ: مَا رَأْيُكُمْ أَنْ نَلْعَبَ لُعْبَةً جَدِيدَةً؟

قَالَ الْأَطْفَالُ: مَا هِيَ؟

أَجَابَ الطِّفْلُ: سَوْفَ نُمَثِّلُ قِصَّةَ عَلِيٍّ كُوجْيَا وَالتَّاجِرِ حَسَنٍ الَّذِي سَرَقَ الدَّنَانِيرَ. سَوْفَ أَكُونَ أَنَا الْقَاضِي.

فَرِحَ الْأَطْفَالُ بِالْفِكْرَةِ، وَرَاحُوا يَصِيحُونَ. عِنْدَمَا سَمِعَ الْخَلِيفَةُ كَلَامَ الطِّفْلِ، تَذَكَّرَ الشَّكْوَى الَّتِي قَرَأَهَا، فَقَرَّرَ أَنْ يُرَاقِبَ الْأَطْفَالَ، وَيَسْمَعَ الْحُكْمَ مِنَ الْقَاضِي الطِّفْلِ.

رَاحَ قَاضِيُ الْأَطْفَالِ يُوزِّعُ الْأَدْوَارَ عَلَى أَصْحَابِهِ، ثُمَّ جَلَسَ فَوْقَ صُنْدُوقٍ، وَقَالَ بِصَوتٍ قَوِيٍّ وَهَادِئٍ: أَيُّهَا الْبَوَّابُ! أَحْضِرِ التَّاجِرَ حَسَنًا وَالتَّاجِرَ عَلِيًّا كُوجْيَا.

وَقَفَ طِفْلَانِ أَمَامَ قَاضِي الْأَطْفَالِ. قَالَ الْقَاضِي: مَا هِيَ شَكْوَاكَ يَا عَلِيُّ؟

حَكَى الطِّفْلُ قِصَّةَ عَلِيٍّ كُلَّهَا، ثُمَّ قَالَ: أَنَا أُرِيدُ أَنْ يَرُدَّ الْقَاضِي حَقِّي الَّذِي سَرَقَهُ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي لَا يَخَافُ اللَّهَ.

نَظَرَ قَاضِيُ الْأَطْفَالِ إِلَى التَّاجِرِ حَسَنٍ، وَسَأَلَهُ: لِمَاذَا سَرَقْتَ دَنَانِيرَ عَلِيٍّ؟ لِمَاذَا خُنْتَ الْأَمَانَةَ؟

قَالَ الطِّفْلُ: أَنَا لَمْ أَرَ دَنَانِيرَهُ. أَنَا أُقْسِمُ...

صَاحَ الْقَاضِي: نَحْنُ لَا نُرِيدُ قَسَمَكَ الْكَاذِبَ. أَحْضِرْ جَرَّتَكَ إِلَى هُنَا يَا عَلِيُّ.

قَامَ عَلِيٌّ الطِّفْلُ، وَحَمَلَ جَرَّةً صَغِيرَةً جِدًّا. سَأَلَ الْقَاضِيُ: هَلْ هَذِهِ هِيَ الْجَرَّةُ الَّتِي تَرَكَهَا عَلِيٌّ عِنْدَكَ؟

أَجَابَ حَسَنٌ الطَّفِلُ: نَعَمْ. فَأَمَرَ الْقَاضِيُ بِفَتْحِ الْجَرَّةِ. اِقْتَرَبَ الْقَاضِي وَنَظَرَ إِلى دَاخِلِ الْجَرَّةِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُ زَيْتُونٌ لَذِيذٌ! وَرَاحَ يُحَرِّكُ فَمَهُ كَأَنَّهُ تَذَوَّقَهَا، ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ بَقِي هَذَا الزَّيْتُونُ فِي الْجَرَّةِ سَبْعَ سَنَوَاتٍ، لِمَاذَا لَمْ يَفْسُدْ؟ أَيُّهَا الْبَوَّابُ، اَحْضِرْ لِيَ اِثْنَيْنِ مِنْ تُجَّارِ الزَّيْتُونِ.

وَقَفَ طِفْلَانِ أَمَامَ الْقَاضِي. سَأَلَ الْقَاضِيُ: كَمْ يَبْقَى الزَّيْتُونُ قَبْلَ أَنْ يَفْسُدَ؟

أَجَابَ الطِّفْلَانِ: لَا يَبْقَى الزَّيْتُونُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ سَنَواتٍ.

طَلَبَ الْقَاضِيُ مَنَ التَّاجِرَينِ أَنْ يَتَذَوَّقَا الزَّيْتُونَ، فَقَالَا: لَقَدْ وَضَعَ حَسَنٌ هَذَا الزَّيْتُونَ فِي هَذَهِ السَّنَةِ. أَرَادَ التَّاجِرُ حَسَنٌ أَنَ يَتَكَلَّمَ فَصَاحَ الْقَاضِي: اُسْكْتْ أَيُّهَا الْكَاذِبُ. خُذُوا هَذَا اللِّصَّ الْخَائِنَ الْكَاذِبَ وَاُصْلُبُوهُ فِي الْمَدِينَةِ.

جَرَى الْأَطْفَالُ كُلُّهُمْ نَحْوَ التَّاجِرِ حَسَنٍ وَأَمْسَكُوهُ، وَهُم يَصْرِخُونَ.

اِبْتَعَدَ الْخَلِيفَةُ عَنِ الْبَابِ وَنَظَرَ إِلَى وَزِيرِهِ جَعْفَرٍ: مَا رَأْيُكَ فِي ذَكَاءِ هَذَا الطِّفْلِ، وَتَمْثِيلِهِ؟

قَالَ الْوَزِيرُ: إِنَّهُ طِفْلٌ ذَكِيٌّ جِدًّا. أَنَا أَشْعُرُ بِالدَّهْشَةِ يَا مَوْلَاي.

قَالَ الْخَلِيفَةُ: هَلْ تَعْلَمُ يَا وَزِيرِي؟ لَقَدْ رَفَعَ عَلِيٌّ كُوجْيَا شَكْوَىً إِلَيَّ، وَقَدْ قَرَّرْتُ أَنْ أَقْضِي فِيهَا غَدًا. هَذَا الطِّفْلُ أَعْطَانِي فِكرَةً. اِحْفَظْ هَذَا الْبَيْتَ يَا جَعْفَرُ. أُرِيدُ أَنْ يَحْضُرَ هَذَا الطِّفْلُ غَدًا إِلَى الْقَصْرِ. وَأَحْضِرْ تَاجِرَيْنِ مِنْ تُجَّارِ الزَّيْتُونِ، وَالْقَاضِي الَّذِي حَكَمَ أَنَّ حَسَنًا بَرِيْءٌ. قُلْ لِعَلِيٍّ أَنْ يُحْضِرَ الْجَرَّةَ مَعَهُ.

وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي، ذَهَبَ جَعْفَرٌ إِلَى بَيْتِ الطِّفْلِ وَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْخَلِيفَةَ يُرِيدُهُ، كَانَ الطِّفْلُ يَتِيمًا، وَكَانَ أَكْبَرَ إِخْوَتِهِ. خَافَ الطِّفْلُ وَخَافَتِ الْأُمُّ، لَكِنَّ جَعْفَرًا قَالَ لَهُمَا: لَا تَخَافَا. إِنَّ الْخَلِيفَةَ يُرِيدُ أَنْ يُعْطِيَكَ مُكَافَأَةً؛ لِأَنَّكَ ذَكِيٌّ.

فَقَالَتِ الْأُمُّ: اِنْتَظِرْ لَحْظَةً يَا سَيِّدِي؛ سَوْفَ يَلْبَسُ اِبْنِي أَجْمَلَ مَلَابِسِهِ وَيَأْتِي. وَبَعْدَ أَنْ لَبِسَ الطِّفْلُ أَجْمَلَ مَلَابِسِهِ، ذَهَبَ إِلَى قَصْرِ الْخَلِيفَةِ هَارُونَ الرِّشِيدِ. اِبْتَسَمَ الْخَلِيفَةُ عِنْدَمَا رَأَى الطِّفْلَ، وَقَالَ: تَعَالَ يَا وَلَدِي! لَا تَخَفْ. أَنَا مُعْجَبٌ بِمَا فَعَلْتَهُ أَمْسِ فِي قَضِيِّةِ عَلِيّ كُوجْيَا وَالتَّاجِرِ حَسَنٍ. هَلْ أَنْتَ الْقَاضِي يَا وَلَدِي؟

أَجَابَ الطِّفْلُ: نَعَمْ، يَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِيْنَ.

فَقَالَ الْخَلِيفَةُ: أُرِيدُ أَنْ تَحْكُمَ الْيَوْمَ فِي الْقَضِيَّةِ. سَوْفَ تَحْكُمُ بَيْنَ عَلِيٍّ وَحَسَنٍ الْحَقِيقِيَيْنِ. اِجْلِسْ قُرْبِي هُنَا.

وَعِنْدَمَا جَاءَ الْجَمِيعُ، حَكَى عَلِيٌّ قِصَّتَهُ، وَعِنْدَمَا أَرَادَ حَسَنٌ أَنْ يُقْسِمَ، قَالَ الطِّفْلُ: لَا نُرِيدُ قَسَمَكَ الْكَاذِبَ!

ثُمَّ طَلَبَ الْجَرَّةَ. وَعِنْدمَا نَظَرَ الْخَلِيفَةُ إِلَى الْجَرَّةِ، وَأَخَذَ زَيْتُونَةً، وَتَذَوَّقَهَا؛ عَرَفَ أَنَّ حَسَنًا وَضَعْ الزَّيْتُونَ فِي الْجَرَّةِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ. نَادَى الْخَلِيفَةُ تَاجِرَيَّ الزَّيْتُونِ. قَالَ التَّاجِرَانِ: هَذَا الزَّيْتُونُ مِنْ مَحْصُولِ هَذِهِ السَّنَةِ.

قَالَ الطِّفْلُ: لَكِنَّ التَّاجِرَ حَسَنًا قَالَ إِنَّهُ لَمْ يَفْتَحِ الْجَرَّةَ أَبَدًا. هَذَا يَعْنِي أَنَّ الْجَرَّةَ مُغْلَقَةٌ مْنْذُ سَبْعِ سَنَوَاتٍ. لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الزَّيْتُونُ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ.

قَالَ التَّاجِرَانِ: هَذَا الزَّيْتُونُ جَدِيدٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. رُبَّمَا وَضَعَ التَّاجِرُ حَسَنٌ الزَّيْتُونَ الْجَدِيدِ، وَرَمَى الزَّيْتُونَ الْقَدِيمَ.

عَرَفَ التَّاجِرُ حَسَنٌ أَنَّ الْقَاضِي الطِّفْلَ قَدْ كَشَفَ الْحَقِيقَةَ، فَقَالَ: أَرْجُوكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِيْنَ، اِغْفِرْ لِي مَا فَعَلْتُ. أَنَا لَنْ أُكَرِّرَ هَذِهِ الْجَرِيمَةَ!

نَظَرَ الطِّفْلُ إِلَى الْخَلِيفَةِ، وَقَالَ: كُنْتُ أَمْزَحُ مَعَ أَصْحَابِي يَوْمَ أَمْسِ، عِنْدَمَا أَمَرْتُ بِصَلْبِهِ. الْيَوْمَ الْأَمْرُ جِدٌّ يَا مَوْلَاي. الْحُكْمُ لَكَ يَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ.

قَالَ الْخَلِيفَةُ: هَذَا الرَّجُلُ خَائِنٌ، وَلِصٌّ، وَكَاذِبٌ... لَقَدْ أَقْسَمَ أَيْضًا، وَبَقِي يَقُولُ لِلنَّاسِ أَنَّ صَاحِبَهُ كَاذِبٌ. أَيْنَ وَضَعْتَ دَنَانِيرَ عَلِيٍّ؟

أَخْبَرَ حَسَنٌ الْخَلِيفَةَ بِالْمَكَانِ، فَذَهَبَ الْعَسَاكِرُ كَيْ يُحْضِرُوا الدَّنَانِيرَ. وَبَعْدَ أَنْ عَدَّ عَلِيٌّ دَنَانِيرَهُ، أَمَرَ الْخَلِيفَةُ الْعَسَاكِرَ أَنْ يَصْلُبُوا التَّاجِرَ حَسَنًا فِي الْمَدِينَةِ. رَاحَ حَسَنٌ يَبْكِي، وَهُوَ يَقُولُ: أَرْجُوكَ يَا مَوْلَاي، سَامِحْنِي. لَكِنَّ الْخَلِيفَةَ قَالَ: هَذَا عِقَابُكَ يَا حَسَنُ. سَحَبَ الْعَسَاكِرُ حَسَنًا إِلَى السَّاحَةِ وَصَلَبُوهُ.

أَعْطَى الْخَلِيفَةُ مَائِةَ دِينَارٍ لِلطِّفْلِ، قَالَ الْخَلِيفَةُ: هَذِهِ مُكَافَأَةٌ؛ لِأَنَّكَ أَذْكَى طِفْلٍ فِي الْمَدِينَةِ.

فَرِحَ الطِّفْلُ بِالْمُكَافَأَةِ، وَشَكَرَ الْخَلِيفَةَ، ثُمَّ عَادَ إِلَى بَيْتِهِ. نَظَرَ الْخَلِيفَةُ إِلَى الْقَاضِي الَّذِي قَالَ إِنَّ حَسَنًا بَرِيءٌ، وَقَالَ: لَقَدْ كَشَفَ هَذَا الطِّفْلُ الذَّكِيُّ الْحَقِيقَةَ، وَلَمْ يُصِدِّقْ قَسَمَ حَسَنٍ. أَنْتَ قُلْتَ إِنَّ حَسَنًا بَرِيءٌ.

اِعْتَذَرَ الْقَاضِي، وَقَالَ: نَعَمْ، إِنَّهُ طِفْلٌ ذَكِيٌّ جِدًّا. لَقَدْ تَعَلَّمْتُ مِنْهُ أَنْ أَبْحَثَ فِي التَّفَاصِيلِ.

عَادَ عَلِيٌّ إِلَى بَيْتِهِ، وَوَضَعَ دَنَانِيرَهُ فِي صُنْدُوقٍ، وَاِشْتَرَى دُكَّانًا، وَرَاحَ يَعْمَلُ فِي التِّجَارَةِ.

(1) أَعْطَى عَلِيٌّ الشَّكْوَى لِلْخَلِيفَةِ فِي يَوْمِ ......................

Hasnain Haider
Very interesting story. Written in simple and understandable way. These stories keep the reader interested in more and more reading. We need more stories similar to this. Great efforts
Allah Jiwayo Mahar
As a non-Arabic speaker, I am actively learning the Arabic language. I have read and comprehended nearly 98% of the words in this story. I find this story to be extremely helpful for beginners aiming to enhance their proficiency.” Keep up the great work in your language learning journey!

Your email address will not be published. Required fields are marked *

@