هُرُوبُ الشَّيْطَان

هُرُوبُ الشَّيْطَان

This is an Arabic short story for beginners. It is for non-native speakers of Arabic. We took it from a story book entitled The Myths of the West. The author of this story is Sulaiman Mazhar. The original text is for native speakers of Arabic. So, it is in a more advanced Arabic. This Arabic short story for beginners has been abridged and simplified to make it suitable for foreign learners of Arabic.

source: istockphoto.com

كَانَ فِي الْقَرْيَةِ حَفْلَةٌ رَاقِصَةٌ، وَكَانَ كُلُّ أَهْلِ الْقَرْيَةِ يَرْقُصُونَ. وَفِي الْمَسَاءِ، جَلَسَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ، وَظَلَّ الشَّبَابُ وَالْفَتَيَاتُ يَرْقُصُونَ. وَبَعِيدًا عَنِ الْمُوسِيقَى وَالرَّقْصِ وَالطَّعَامِ، كَانَ رَجُلٌ طَوِيلٌ جَالِسًا. كَانَ الرَّجُلُ يَلْبَسُ مِعْطَفًا طَوِيلًا، وقُبَّعَةً خَضْرَاءَ جَمِيَلَةً. كَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ شَيْطَانًا صَغِيرًا. تَنَكَّرَ الشَّيْطَانُ بِشَكْلِ رَجُلٍ؛ كَيْ يَحْضُرَ الْحَفْلَةَ.

جَلَسَتْ اِمْرَأَةٌ عَجُوزٌ قَبِيحَةٌ قَرِيبًا مِنَ الشَّيْطَانِ. كَانَتِ الْعَجُوزُ تَرْبِطُ مِنْدِيلًا حَوْلَ رَأْسِهَا، وَكَانَ شَعْرُهَا الْأَبْيَضُ عَلَى كَتِفَيْهَا. كَانَتْ رَائِحَةُ الْعَجُوزِ قَبِيحَةً. سَمِعَ الشَّيْطَانُ الْعَجُوزَ تَقُولُ: هَؤُلَاءِ الشَّبَابُ الْحَمْقَى! لِمَاذَا لَا يَرْقُصُونَ مَعِي؟ أَنَا أُرِيدُ أَنْ أَرْقُصَ! لَوْ طَلَبَ أَحَدٌ مِنِّي أَنْ أَرْقُصَ مَعَهُ، سَوْفَ أَرْقُصُ طَوَالَ اللَّيْلِ. نَعَم! طَوَالَ اللَّيْلِ... لَنْ أَتْعَبَ، وَلَنْ أَتْرُكَهُ أَبَدًا، حَتَّى لَوْ كَانَ الشَّيْطَانَ نَفْسَهُ.

اِبْتسَمَ الشَّيَطَانُ وَقَالَ لِنَفْسِهِ: تَرْقُصُ طَوَالَ اللَّيْلِ؟ سَوْفَ نَرَى.

قَامَ الشَّيْطَانُ، وَمَشَى نَحْوَ الْمَرْأَةِ الْعَجُوزِ. اِنْحَنَى الشَّيْطَانُ أَمَامَ الْمَرْأَةِ، وَسَأَلَهَا: هَلْ تَقْبَلِينَ يَا سَيِّدَتِي الْجَمِيلَةَ؟ أَرْجُوكِ، أَعْطِنِي شَرَفَ الرَّقْصِ مَعَكِ.

فَرِحَتِ الْمَرْأَةُ الْعَجُوزُ، وَوَقَفَتْ بِسُرْعَةٍ. كَانَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَى الشَّيْطَانِ بِدَهْشَةٍ. قَالَتِ اِمْرَأةٌ: كَيْفَ يَرْقُصُ هَذَا الشَّابُّ الْوَسِيمُ مَعَ هَذِهِ الْعَجُوزِ؟

مَدَّتِ الْعَجُوزُ يَدَهَا إِلَى الْعِمْلَاقِ الْوَسِيمِ، وَمَشَتْ مَعَهُ إِلَى حَلَبَةِ الرَّقْصِ. كَانَتِ الْعَجُوزُ تَرْقُصُ بِنَشَاطٍ وَحَمَاسٍ. وَكَانَ الشَّبَابُ والشَّابَّاتُ يَنْظُرونَ بِدَهْشَةٍ إِلَى الْعَجُوزِ وَالشَّابِّ الْغَرِيبِ. تَعِبِ الْجَمِيعُ؛ فَجَلَسُوا يَنْظُرُونَ إِلَى الْغَرِيبِ وَالْعَجُوزِ. بَقِيَ الْغَرِيبُ وَالْعَجُوزُ يَرْقُصَانِ. تَعِبَ الْمُوسِيقِيُّونَ، وَتَوَقَّفُوا عَنِ الْعَزْفِ؛ فَأَخْرَجَ الْغَرِيبُ مِنْ جَيْبِهِ قِطْعَةً ذَهَبِيَّةً، وَرَمَاهَا إِلَيْهِم. عَادَ الْمُوسِيقِيُّونَ يَعْزِفُونَ بِقُوَّةٍ.

وَقَفَ الْجَمِيعُ يُشَاهِدُونَ قُوَّةَ الْعَجُوزِ وَالْغَرِيبِ. قَالَ شَابٌّ: هَذَانِ مَجْنُونَانِ! كَيْفَ يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَرْقُصَا كُلَّ هَذَا الْوَقْتِ دُونَ تَعَبٍ؟

وَعِنْدَمَا اِنْتَهَى اللَّيْلُ، وَاِقْتَرَبَ الْفَجْرُ، أَمْسَكَ الْعِمْلَاقُ الْغَرِيبُ يَدَ الْعَجُوزِ وَقَالَ لَهَا: أَنْتِ رَاقِصَةٌ نَشِيطَةٌ أَيَّتُهَا الْجَمِيلَةُ. الْوَدَاعُ الْآنَ.

مَشَى الْغَرِيبُ نَحْوَ الْأَشْجَارِ؛ كَيْ يَخْتَفِي، لَكِنَّ الْعَجُوزَ لَحِقَتْ بِهِ. أَمْسَكَتِ الْعَجُوزُ بِيَدِ الشَّيْطَانِ، وَقَالَتْ بِصَوْتٍ رَقِيقٍ: أَرْجُوكَ لَا تَتْرُكْنِي! خُذْنِي مَعَكَ إِلَى بَيْتِكَ. سَوْفَ أَبْقَى مَعَكَ إِلَى الْأَبَدِ.

اِبْتَسَمَ الْغَرِيبُ وَقَالَ: لَكِنَّ بَيْتِي بَعِيدٌ جِدًّا عَنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ. قَالَتِ الْعَجُوزُ: أَنَا لَا أَهْتَمُّ. أَرْجُوكَ، خُذْنِي مَعَكَ. سَوْفَ أَذْهَبُ مَعَكَ، حَتَّى لَوْ كُنْتَ تَسْكُنُ فِي الْجَحِيمِ.

ضَحِكَ الْغَرِيبُ، وَقَالَ: سَوْفَ أَرَى. ثُمَّ أَمْسَكَ بِذِرَاعَيِّ الْعَجُوزِ، وَطَلَبَ مِنْهَا أَنْ تُمْسِكَ بِهِ جِيِّدًا؛ فَوَضَعَتِ الْعَجُوزُ ذِرَاعَيْهَا حَوْلَ عُنُقِهِ بِقُوَّةٍ. دَقَّ الشَّيْطَانُ الْأَرْضَ بِعُنْفٍ؛ فَاِنْشَقَّتْ. أَظْلَمَتِ السَّمَاءُ، وَظَهَرَ ضَوْءٌ يُشْبِهُ الْبَرْقَ. لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَفْتَحَ عَيْنَيْهِ. وَفِي ذَلِكَ الضَّوْءِ، اِخْتَفَى الشَّيْطَانُ وَالْعَجُوزُ.

كَانَ الشَّيْطَانُ سَعِيدًا، عِنْدَمَا دَخَلَ إِلَى الْجَحِيمِ، وَهُوَ يَحْمِلُ الْعَجُوزَ. نَظَرَ الشَّيَاطِينُ إِلَيْهِ؛ فَقَالَ لَهُم، وَهُوَ يَضْحَكُ: لَا أَحَدَ مِنْكُم يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعُودَ إِلَى الْجَحِيمِ وَمَعَهُ اِمْرَأَةٌ. أَنَا وَحْدِي مَنْ اِسْتَطَاعَ.

طَلَبَ الشَّيْطَانُ مِنَ الْعَجُوزِ أَنْ تُبْعِدَ ذِرَاعَيْهَا عَنْ عُنُقِهِ. رَفَضَتِ الْعَجُوزُ. ضَرَبَ الشَّيْطَانُ يَدَيِّ الْعَجُوزِ، لَكِنَّها لَمْ تَتْرُكُهُ أَبَدًا. لَمْ يَسْتَطِعِ الشَّيْطَانُ أَنْ يُبْعِدَ الْعَجُوزَ عَنْهُ. شَعَرَ الشَّيْطَانُ بِالْغَضَبِ الشَّدِيدِ. صَاحَ الشَّيْطَانُ: اِنْزِلِي أَيَّتُهَا الْعَجُوزُ! اُتْرِكِينِي!

لَكِنَّ الْعَجُوزَ رَفَضَتْ. كَانَ الشَّيْطَانُ يَمْشِي طَوِيلًا، وهُوَ يَصِيحُ: اِبْتَعَدِي! اِنْزِلِي! وَمَرَّتْ شُهُورٌ طَوِيلَةٌ، وَالْمَرْأَةُ الْعَجُوزُ مُتَعَلِّقَةٌ بِعُنُقِهِ؛ فَذَهَبَ الشَّيْطَانُ إِلَى كَبِيرِ الشَّيَاطِينِ، وَقَالَ لَهُ: أَرْجُوكَ، يَا سَيِّدِي. أَبْعِدْ هَذَهِ الْمَرْأَةَ عَنِّي!

قَالَ الشَّيْطَانُ الْكَبِيرُ: أَنْتَ تَسْتَحِقُ هَذَا! عُدْ إِلَى الْأَرْضِ، وَحَاوَلْ أَنْ تَتَخَلَّصَ مِنْهَا هُنَاكَ. أَنَا لَا أَعْلَمُ كَيْفَ تَتَخَلَّصُ مِنْهَا. عَلَيْكَ أَنْ تَدْفَعَ ثَمَنَ مَا فَعَلْتَ.

صَعَدَ الشَّيْطَانُ إلَى الْأَرْضِ. كَانَ الشَّيْطَانُ غَاضِبًا جِدًّا، وَكَانَ يَصْرُخُ: أَنْتِ اِمْرَأَةٌ مَجْنُونَةٌ! لَا، أَنْتِ لَسْتِ اِمْرَأةً. أَنْتِ شَيْطَانَةٌ! لَا! أَنْتِ شَيْءٌ شِرِّيرٌ جِدًّا.

كَانَ الشَّيْطَانُ مُتَنَكِّرًا بِشَكْلِ رَجُلٍ. وَكَانَ يَسِيرُ فِي الْجِبَالِ، وَهُوَ يَصْرُخُ. وَعِنْدَمَا كَانَ يَمْشِي، رَأَى رَاعِيًا، يَسِيرُ خَلْفَ أَغْنَامِهِ. كَانَ الرَّاعِيُ شَابًّا وَسِيمًا، يَلْبَسُ مِعْطَفًا سَمِيكًا. مَشَى الشَّيْطَانُ قُرِيبًا مِنَ الرَّاعِي. اِنْتَظَرَ الشَّيْطَانُ أَنْ يَتَكَلَّمَ الرَّاعِي. غَنَّى الرَّاعِي، وَبَقِيَ الشَّيْطَانُ يَمْشِي بِغَضَبٍ. وَبَعْدَ وَقْتٍ، اِلْتَفَتَ الرَّاعِيُ إِلَى الْغَرِيبِ وَقَالَ، وَهُوَ يَبْتَسِمُ: مَا أَجْمَلَ هَذَهِ الطَّرِيقَةَ الَّتِي تَحْمِلُ بِهَا زَوْجَتَكَ!

قَالَ الْغَرِيبُ بِغَضَبٍ: لَا شَأْنَ لَكَ! هَذَا فَقَطْ مَا اَسْتَطَاعَ عَقْلُكَ الصَّغِيرُ أَنْ يَقُولَهُ. إِنَّنَا، أَنَا وَزَوْجَتِي، نُحِبَّ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ. لَا شَأْنَ لَكَ أَبَدًا!

قَالَ الرَّاعِيُ: أَنَا آسِفٌ. أَرَدْتُ أَنْ أُخْبِرَكَ أَنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ مُتْعِبَةٌ جِدًّا.

لَمَعَتْ عَيْنَا الشَّيْطَانِ، وَقَالَ: نَعَمْ. إِنَّهَا طَرِيقَةٌ مُتْعِبَةٌ جِدًّا. أَنَا أَحْتَاجُ إِلَى بَعْضِ الرَّاحَةِ. أُرِيدُ أَنْ أَتْرُكَهَا تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَةِ شَخْصٍ آخَرَ... لِمُدَّةٍ قَصِيرَةٍ فَقَطْ.

هَزَّ الرَّاعِيُ رَأْسَهُ: أَنْتَ مِسْكِينٌ. أَنَا أُشْفِقُ عَلَيْكَ.

غَضِبَ الشَّيْطَانُ، وَقَرَّرَ أَنْ يُخْبِرَ الرَّاعِيَ بِقِصَّتِهِ. اِقْتَرَبَ الشَّيْطَانُ مِنَ الرَّاعِي، وَحَكَى لَهُ قِصَّتَهُ. سَمِعَ الرَّاعِيُ قِصَّةَ الشَّيْطَانِ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتَ مِسْكِينٌ أَيُّهَا الشَّيْطَانُ. أَنَا سَوْفَ أُسَاعِدُكَ.

اِقْتَرَبَ الرَّاعِيُ مِنَ عُنُقِ الشَّيْطَانِ، وَأَدْخَلَ رَأْسَهُ بَيْنَ ذِرَاعَيِّ الْمَرْأَةِ. أَخْرَجَ الشَّيْطَانُ رَأْسَهُ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى الْمَرْأَةِ. كَانَتِ الْعَجُوزُ هَادِئَةً. قَالَ الرَّاعِيُ: أَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ الْعَجُوزَ لَا تَعْتَرِضُ أَبَدًا. الْمُهِمُّ أَنْ تَكُونَ مُمْسِكَةً بِرَجُلٍ مَا... أَيِّ رجُلٍ!

أَمْسَكَ الشَّيْطَانُ بِعُنُقِهِ، وَصَاحَ بِفَرَحٍ: أَنَا حُرٌّ؟ أَنَا حُرٌّ! أَنَا سَعِيدٌ جِدًّا!

أَخَذَ الشَّيْطَانُ عَصَا الرَّاعِي، وَشَكَرَهُ. مَشَى الشَّيْطَانُ خَلْفَ الْأَغْنَامِ، وَهُوَ يُغَنِّي وَيَرْقُصُ. وَمَشَى الرَّاعِي فِي طَرِيقٍ آخَرَ. كَانَتِ الْعَجُوزُ مُمْسِكَةً بِعُنُقِ الرَّاعِي بِقُوَّةٍ.

وَبَعْدَ دَقَائِقَ، رَأَى الشَّيْطَانُ الرَّاعِيَ أَمَامَهُ. لَمْ تَكُنِ الْعَجُوزُ مَوْجُودَةً. صَاحَ الشَّيْطَانُ: كَيْفَ تَخَلَّصْتَ مِنَ الْعَجُوزِ؟

أَجَابَ الرَّاعِيُ: ذَهَبْتُ إِلَى الْبُحَيْرَةِ، وَدَخَلْتُ فِي الْمَاءِ. وهُنَاكَ، خلَعْتُ مِعْطَفِي، وَخَرَجْتُ. لَقَدْ تَرَكْتُ الْمَرْأَةَ وَمِعْطَفِي فِي الْبُحَيْرَةِ. سَوْفَ آخُذُ أَغْنَامِي مِنْكَ الْآنَ، وَسَوْفَ نَعُودُ إِلَى الْبُحَيْرَةِ؛ كَيْ آخُذَ مِعْطِفِي.

صَاحَ الشَّيْطَانُ: لَا! أَرْجُوكَ. لَنْ أَعُودَ. سَوْفَ أُعْطِيكَ ثَمَنَ الْمِعْطَفِ. لَا، سَوْفَ أُعْطِيَكَ ثَلَاثَةَ أَضْعَافِهِ.

سَكَتَ الرَّاعِيُ، وَأَخَذَ يُفَكِّرُ. صَاحَ الشَّيْطَانُ: اِسْمَعْ يَا صَدِيقِي. سَوْفَ أُعْطِيكَ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا. سَوْفَ أَذْهَبُ الْآنَ إِلَى الْمَدِيْنَةِ. سَوْفَ أَدْخُلُ فِي جَسَدِ اِبْنَةِ الْمَلِكِ، وَلَنْ أَخْرُجَ مِنْهُ أَبَدًا. سَوْفَ يَخَافُ الْمَلِكُ عَلَى اِبْنَتِهِ، وَيُعْلِنُ أَنَّهُ سَوْفَ يُعْطِي مُكَافَأَةً كَبِيرَةً لِمَنْ يَطْرُدُ الشَّيْطَانَ مِنْ جَسَدِ الْأَمِيرَةِ. وَأَنْتَ سَوْفَ تَحْضُرُ، سَوْفَ تَقُولُ لَهُم إِنَّكَ سَتُخْرِجُنِي. اُصْرُخْ بِبَعْضِ الْكَلِمَاتِ الْغَرِيبَةِ، ثُمَّ اِهْمِسْ: أَنَا الرَّاعِيُ! وَأَنَا سَوْفَ أَخْرُجُ، وَسَوْفَ يُعْطِيكَ الْمَلِكُ الْمُكَافَأَةَ.

وَقَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ الرَّاعِيُ، اِخْتَفَى الشَّيْطَانُ. فَكَّرَ الرَّاعِيُ قَلِيلًا، ثُمَّ مَشَى نَحْوَ الْمَدِينَةِ. وَبَعْدَ أَيَّامٍ، وَصَلَ الرَّاعِيُ إِلَى الْمَدِينَةِ. رَأَى الرَّاعِيُ أُنَاسًا، يَتَكَلَّمُونَ بِصَوتٍ مُرْتَفِعٍ. كَانَتِ الشَّوَارِعُ مَلِيئَةً بِالنَّاسِ. اِقْتَرَبَ الرَّاعِيُ مِنَ النَّاسِ، فَسَمِعَهُم يَتَكَلَّمُونَ عِنِ الْأَمِيرَةِ الَّتِي دَخَلَ الشَّيْطَانُ جَسَدَهَا.

جَلَسَ الرَّاعِيُ، وَهُوَ صَامِتٌ. وَبَعْدَ دَقَائِقَ، خَرَجُ جُنْدِيٌّ مِنَ الْقَصْرِ. قَالَ النَّاسُ: اِصْمُتُوا! هَذَا بَيَانٌ مَلَكِيٌّ! اِسْمَعُوا!

أَخْرَجَ الْجُنْدِيُّ وَرَقَةً وَقَالَ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ، إِنَّ اِبْنَتَنَا الْأَمِيرَةَ الْجَمِيلَةَ مَرِيضَةٌ بِمَرَضٍ غَرِيبٍ. وَقَدْ قَالَ الْأَطِبَّاءُ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ دَخَلَ جَسَدَهَا الصَّغِيرَ. إِنَّ مَرَضَ اِبْنَتِنَا قَدْ بَعَثَ الْحُزْنَ فِي الْمَدِينَةِ وَفِي قُلُوبِنَا. وَقَدْ قَرَّرْنَا أَنْ نُعْلِنَ فِي الْمَمْلَكِةِ أَنَّ الشَّخْصَ الَّذِي سَوْفَ يَشْفِي اِبْنَتَنَا الْأَمِيرَةَ، سَوْفَ نُعْطِيهِ مُكَافَأَةً كَبِيرَةً، وَسَوْفَ نُزَوِّجُهُ بِالْأَمِيرَةِ، وَسَوْفَ نُعْطِيهِ نِصْفَ حُكْمِ الْمَمْلَكَةِ، وحُكْمَهَا كُلَهَا بَعْدَ حَيَاتِنَا.

وَبَعْدَ سَاعَةٍ، كَانَ يَقِفُ أَمَامَ الْقَصْرِ أَطِبَّاءُ، وَمُشَعْوِذُونَ، وَسَحَرَةٌ، وَكُهَّانٌ. لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَطْرُدَ الشَّيْطَانَ مِنْ جَسَدِ الْأَمِيرَةِ. ذَهَبَ الرَّاعِيُ مُسْرِعًا إِلَى الْقَصْرِ، وَأَخْبَرَ الْحُرَّاسَ إِنَّهُ سَوْفَ يَشْفِي الْأَمِيرَةَ. أَدْخَلَ الْحُرَّاسُ الرَّاعِيَ إِلَى الْمَلِكِ. لَمْ يَهْتَمَّ الْمَلِكُ بِمَلَابِسِ الرَّاعِي الْقَدِيَمَةِ. أَمَرَ الْمَلِكُ الْحُرَّاسَ أَنْ يُدْخِلُوا الرَّاعِيَ إِلَى غُرْفَةِ الْأَمِيرَةِ. كَانَتِ الْأَمِيرَةُ فَتَاةً جَمِيَلَةً جِدًّا. كَانَ وَجْهُ الْأَمِيرَةِ شَاحِبًا، وَكَانَتِ تَنْظُرُ إِلَى السَّقْفِ، وَهِي صَامِتَةٌ. طَلَبَ الرَّاعِيُ مِنَ الْمَلِكِ وَالْحُرَّاسِ أَنْ يَبْتَعِدُوا، ثُمَّ اِقْتَرَبَ مِنَ الْأَمِيرَةِ، وَصَاحَ بِكَلِمَاتٍ غَرِيبَةٍ. اِقْتَرَبَ الرَّاعِيُ مِنَ أُذُنِ الْأَمِيرَةِ، وَهَمَسَ: أَنَا الرَّاعِيُ.

اِمْتَلَأتِ الْغُرْفَةُ بِالدُّخَانِ الْأَبْيَضِ الْكَثِيفِ، وَظَهَرَ ضَوْءٌ سَاطِعٌ، وَسَمِعَ كُلُّ مَنْ فِي الْقَصْرِ صَرْخَةً قَوِيَّةً وَمُخِيفَةً. سَمِعَ الرَّاعِيُ صَوْتًا هَامِسًا يَقُولُ لَهُ: لَقَدْ كَافَأْتُكَ عَلَى مُسَاعَدَتِكَ. أَنَا لَنْ أَسْمَعَ كَلَامَكَ مَرَّةً أُخْرَى.

ثُمَّ اِخْتَفَى كُلُّ شَيْءٍ، وَوَقَفَتِ الْأَمِيرَةُ، وَهِيَ تَبْتَسِمُ؛ فَصَاحَ الْمَلِكُ بِفَرَحٍ. أَقَامَ الْمَلِكُ حَفْلًا كَبِيرًا، ثُمَّ أَقَامَ حَفْلَ زِفَافِ اِبْنَتِهِ إِلَى الشَّابِّ الْوَسِيمِ الَّذِي شَفَا اِبْنَتَهُ، وَطَرَدَ الشَّيْطَانَ. أَعْطَى الْمَلِكُ الرَّاعِيَ نِصْفَ الْمَمْلَكَةِ، فَحَكَمَ الرَّاعِيُ بِالْعَدْلِ. أَحَبَّ الشَّعْبُ الرَّاعِيَ كَثِيرًا.

وَبَعْدَ زَمَنٍ طَوِيلًا، دَخَلَ الشَّيْطَانُ جَسَدَ أَمِيرَةٍ أُخْرَى مِنْ بَنَاتِ الْمَلِكِ. فَخَرَجَ الْجُنُودُ كَيْ يُعْلِنُوا عِنْ مَرَضِ الْأَمِيرَةِ. وَأَرْسَلَ الْمَلِكُ إلى الرَّاعِي زَوْجِ اِبْنَتِهِ. طَلَبَ الْمَلِكُ مِنْ زَوْجِ اِبْنَتِهِ أَنْ يُخْرِجَ الشَّيْطَانَ مِنْ جَسَدِ الْأَمِيرَةِ الصَّغِيرَةِ. تَذَكَّرَ الرَّاعِيُ كَلَام الشَّيْطَانِ، وَرَفَضَ. قَالَ الرَّاعِيُ لِرُسُلِ الْمَلِكِ: أَنَا لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُخْرِجَ الشَّيْطَانَ مِنْ جَسَدِ الْأَمِيرَةِ الصَّغِيرَةِ.

طَلَبَ الْمَلِكُ مِنَ الرَّاعِي مَرَّةً أُخْرَى: سَاعِدْ اِبْنَتِيَ الصَّغِيرَةَ. أَخْرِجِ الشَّيْطَانَ مِنْ جَسَدِهَا. أَرْجُوكَ!

لَكِنَّ الرَّاعِيَ رَفَضَ مَرَّةً أُخْرَى؛ فَغَضِبَ الْمَلِكُ. أَرْسَلَ الْمَلِكُ جُنُودًا إِلَى الرَّاعِي. أَخْبَرَ الْجُنُودُ الرَّاعِي أَنَّ الْمَلِكَ سَوْفَ يُحَارِبُهُ إِنْ لَمْ يُخْرِجِ الشَّيْطَانَ مِنْ جَسَدِ الْأَمِيرَةِ.

ذَهَبَ الرَّاعِيُ إِلَى قَصْرِ الْمَلِكِ، وَهُوَ حَزِينٌ. لَمْ يَعْرِفِ الرَّاعِيُ مَاذَا يَفْعَلُ. دَخَلَ الرَّاعِيُ إِلَى غُرْفَةِ الْأَمِيرَةِ، وَطَلَبَ مِنَ الْمَلِكِ وَالْحُرَّاسِ أَنْ يَبْتَعِدُوا. صَاحَ الرَّاعِي بِكَلِمَاتٍ غَرِيبَةً. سَمِعَ الرَّاعِي صَوْتَ الشَّيْطَانِ يَقُوَلُ سَاخِرًا: مَاذَا تَفْعَلُ هُنَا أَيُّهَا الرَّاعِيُ؟ هَلْ نَسِيتَ اِتِّفَاقَنَا؟ لَنْ أَخْرُجَ مِنْ جَسَدِ هَذِهَ الْأَمِيرَةَ أَبَدًا. سَوْفَ تَفْشَلُ أَيُّهَا الرَّاعِيُ! سَوْفَ يَرَى الْجَمِيعُ فَشَلَكَ.

قَالَ الرَّاعِيُ: أَخْبِرنِي لِمَاذَا دَخَلْتَ إِلَى جَسَدِ الْأَمِيرَةِ؟ هَلْ هَكَذَا تَشْكُرُنِي؟

قَالَ الشَّيْطَانُ: أَنْتَ تَحْكُمُ الْآنَ نِصْفَ الْمَمْلَكَةِ. وَأَنَا شَكْرْتُكَ جَيِّدًا. أَنْتَ لَمْ تَحْتَرِمْنِي. لَقَدْ أَعْجَبَنِي هَذَا الْحَالُ، وَهَذِهِ الْعِنَايَةُ. اِذْهَبِ الْآنَ. إِذَا لَمْ تَذْهَبْ، سَوْفَ تَنَالُ عِقَابًا.

صَمَتَ الرَّاعِي كَيْ يُفَكِّرَ. ثُمَّ اِقْتَرَبَ مِنْ أُذُنِ الْأَمِيرَةِ وَقَالَ: أَنَا أَشْكُرُكَ كَثِيرًا يَا صَدِيقِي. أَنَا أَحْكُمُ نِصْفَ الْمَمْلَكَةِ بِفَضْلِكَ أَنْتَ. أَنَا لَمْ آتِ إِلَى هُنَا كَيْ أَشْفِيَ الْأَمِيرَةَ. أَنَا أَتَيْتُ إِلَى هُنَا كَيْ أَرُدَّ لَكَ بَعْضَ فَضْلِكَ. لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ تِلْكَ الْعَجُوزَ تَبْحَثُ عَنْكَ. إِنَّ تِلْكَ الْعَجُوزَ حَيَّةٌ. لَقَدْ تَبِعَتْنِي إِلَى هُنَا كَيْ تَسْأَلَنِي عَنْكَ. لَكِنَّهَا عَلِمَتْ أَنَّكَ فِي جَسَدِ الْأَمِيرَةِ. إِنِّي أَسْمَعُ خُطُواتِهَا الْآنَ...

وَقَبْلَ أَنْ يُكْمِلَ الرَّاعِيُ كَلَامَهُ، صَرَخَ الشَّيْطَانُ صَرْخَةَ خَوْفٍ قَوِيَّةً، وَاِمْتَلَأَتِ الْغُرْفَةُ بِالدُّخَانِ الْأَبِيَضِ الْكَثِيفِ، وَلَمَعَ ضَوْءٌ قَوِّيٌّ، وَتَحَطَّمَتْ نَافِذَةٌ مُغْلَقَةٌ. ثُمَّ عَادَ الْهُدُوءُ، وَقَامَتِ الْأَمِيرَةُ. وَبَعْدَ هَذِهِ الْحَادِثَةِ، لَمْ يَدْخُلِ الشَّيْطَانُ فِي جَسَدِ أَحَدٍ.

(1) كَانَتِ الْعَجُوزُ تَضَعُ حَوْلَ رَأْسِهَا ......................

There are no comments for this article at this moment. Add new comment .

Your email address will not be published. Required fields are marked *

@