This is an Arabic short story for beginners, namely for non-Arabs. It is taken from a book entitled A Mother Not Like Other Mothers. This book is written by Mohammed Hassan Al-Humsi. The original text is meant for native speakers of Arabic, hence written in more advanced Arabic. This Arabic short story for beginners has been abridged and simplified to be suitable for learners of Arabic as a foreign language.

Source: Mohammed Al-Humsi – A Mother Not Like Other Mothers ( A Great Mother)
غَابَتِ الشَّمْسُ، وَغَطَّتِ السُّحُبُ السَّوْداءُ الْقَمَرَ وَالنُّجُومَ. وَبَعْدَ سَاعَاتٍ، كَانَتِ الْمَدِينَةُ الْمُنَوَّرَةُ خَالِيةً مِنَ النَّاسِ. نَامَ النَّاسُ، وَنَامَتِ الْحَيَوَانَاتُ. وَحِينَمَا تَحَرَّكَتْ غَيْمَةٌ، ظَهَرَ نُورٌ بَسِيطٌ مِنَ الْقَمَرِ.
فِي ذَلِكَ اللَّيْلِ، مَشَى شَيْخٌ طَوِيلٌ وَفِي يَدِهِ كِيسٌ قُمَاشِيٌّ وَسَيْفٌ. كَانَتْ مَلَابِسُ الشَّيْخِ قَدِيمَةً، وَكَانَ حِذَاؤُهُ مُتَّسِخًا. كَانَ الشَّيْخُ فِي الخَمْسِينَ مِنْ عُمُرِهِ، وَكَانَ فِي لِحْيَتِهِ شَعْرَاتٍ بَيْضَاءَ. تَوَقَّفَ الشَّيْخُ أَمَامَ بَيْتٍ، وَاِبْتَسَمَ، ثُمَّ صَعَدَ الدَّرَجَاتِ. أَخْرَجَ الشَّيْخُ مِنْ كِيسِهِ مِفْتَاحًا، وَفَتَحَ بَابَ البَيْتِ، ثُمَّ دَخَلَ. مَشَى الشَّيْخُ إِلَى إِحْدَى الغُرَفِ. كَانَ فِي الغُرْفَةِ فِرَاشٌ بَسِيطٌ، وَعَلَيْهِ امْرَأَةٌ نَائِمَةٌ. وَضَعَ الشَّيْخُ سَيْفَهُ، ومَشَى خُطْوَتَيْنِ. وَفَجْأَةً، أَمْسَكَتْ يَدٌ بِثِيَابِهِ القَدِيمَةِ. سَحَبَ شَخْصٌ الشَّيْخَ إِلَى خَارِجِ البَيْتِ. صَاحَ الشَّيْخُ: مَنْ أَنْتَ؟ اُتْرُكْنِي!
رَمَى الشَّخْصُ الشَّيْخَ إِلَى الشَّارِعِ. نَظَرَ الشَّيْخُ إِلَى الشَّخْصِ الَّذِي سَحَبَهُ. كَانَ شَابًّا وَسِيمًا، لَهُ لِحْيَةٌ خَفِيفَةٌ، وَثِيَابٌ نَظِيفَةٌ. صَاحَ الشَّابُّ: مَنْ أَنْتَ؟ لِمَاذَا أَتَيْتَ إِلَى بَيْتِي؟ وَكَيْفَ دَخَلْتَ؟ أَنْتَ لِصٌّ!
أَمْسَكَ الشَّابُّ عُنُقَ الشَّيْخِ. صَاحَ الشَّيْخُ: اُتْرُكْنِي! هَذَا بَيْتِي! مَاذَا تَفْعَلُ أَنْتَ فِيهِ؟
ضَرَبَ الشَّيْخُ الشَّابَّ بِقُوَّةٍ. غَضِبَ الشَّابُّ وصَاحَ: بَيْتُكَ؟ هَلْ أَنْتَ مَجْنُونٌ؟
أَمْسَكَ الشَّابُّ الشَّيْخَ وَضَرَبَهُ فِي بَطْنِهِ. كَانَ الشَّيْخُ قَوِيًّا جِدًّا. ضَرَبَ الشَّيْخُ الشَّابَّ. وَبَعْدَ دَقَائِقَ، خَرَجَ النَّاسُ مِنْ بِيُوتِهِم. صَاحَ رَجُلٌ: مَا الأَمْرُ يَا رَبِيعَةَ الرَّأي؟ مَنْ هَذَا الشَّيْخُ؟
سَحَبَ النَّاسُ الشَّابَّ رَبِيعَةَ. قَالَ رَبِيعَةُ: لَا أَعْلَمُ! دَخَلَ إِلَى بَيْتِي، وَنَظَرَ إِلَى أَهْلِي، وَقَالَ هُوَ بَيْتُهُ!
قَالَ رَجُلٌ آخَرُ: دَخَلَ إِلَى بَيتِكَ؟ لَوْ أَنَّ أَبَاكَ هُنَا يَا رَبِيعَةَ، لَقَتَلَهُ!
وَقَالَ آخَرُ: شَيْخٌ يَدْخُلُ لَيْلًا إِلَى بَيْتِ مُجَاهِدٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟
وَقَالَ آخَرُ: هَذِهِ وَقَاحَةٌ!
– ضَاعَتِ المُرُوءَةُ!
– رَجُلٌ يَدْخُلُ إِلَى بَيْتِ عَالِمٍ جَلِيلٍ! إِنَّهُ عَارٌ كَبِيرٌ.
– لَقَدْ مَرَّتْ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ عَامًا مُنْذُ سَافَرَ أَبُو رَبِيعَةَ. لَمْ يَدْخُلْ هَذَا البَيْتَ أَحَدٌ!
– إِذَا عَلِمَ أَبُو رَبِيعَةَ بِهَذَا فَسَوْفَ يَعُودُ الآنَ مِنْ خُرَاسَانَ.
– اَمْسِكُوا الشَّيْخَ! لَا تَتْرُكُوهُ يَهْرُبُ! إِنَّهُ لَيْسَ مَجْنُونًا؛ إِنَّهَا خُدْعَةٌ!
أَمْسَكَ النَّاسُ بِالشَّيْخِ. أَرَادَ النَّاسُ أَنْ يَضْرِبُوا الشَّيْخَ. صَاحَ الشَّيْخُ: اُتْرُكُونِي! سَوْفَ أَقْتُلُ هَذَا الشَّابَّ! تَعْتَدِي عَلَى بَيْتِي، وَتَقُولُ إِنَّهُ بَيْتُكَ. سَوْفَ أَقْتُلُكَ! أُرِيدُ سَيْفِي! أَنَا الشَّيْخُ الَّذِي يَخَافُ مِنْهُ جَيْشٌ كَامِلٌ! عَارٌ عَلَيْكُم! شَابٌّ فِي بَيْتِي لَيْلًا!
صَاحَ رَبِيعَةُ: عَارٌ عَلَيْكَ أَنْتَ! دَخَلْتَ بَيْتِي وَأنْتَ تَحْمِلُ سِلَاحًا! أَنْتَ تُرِيدُ شَرًّا! سَوْفَ يُعَاقِبُكَ الوَالِي! سَوْفَ يَحْبِسُكَ! اِتْرُكُونِي! أُرِيدُ أَنْ أَضْرِبَهُ!
سَمِعَ النَّاسُ رَجُلًا يَقُولُ: الإِمَامُ مَالِكٌ! لَقَدْ جَاءَ الإِمَامُ مَالِكٌ.
صَمَتَ النَّاسُ احْتِرَامًا. قَالَ رَبِيعَةُ لِنَفْسِهِ: سَوْفَ يَحْكُمُ الإِمَامُ عَلَى هَذَا اللِّصِّ!
وَقَالَ الشَّيْخُ لِنَفْسِهِ: الإِمَامُ مَالِكٌ سَوْفَ يُثْبِتُ أَنَّ هَذَا بَيْتِي!
صَاحَ رَبِيعَةُ: لَقَدْ دَخَلْتَ بَيْتِي لَيلًا!
وَصَاحَ الشَّيْخُ: هَذَا بَيْتِي!
سَمِعَ الإِمَامُ مَالِكٌ أَنَّ الشَّيْخَ دَخَلَ بَيْتَ رَبِيعَةَ، فَقَالَ: لِمَاذَا دَخَلْتَ بَيْتَ رَبِيعَةَ الرَّأْي؟ مَاذَا تُرِيدُ؟
صَاحَ الشَّيْخُ بِأَلَمٍ: أَنْتَ أَيْضًا تَقُولُ هَذَا؟ هَذَا بَيْتِي أَنَا! هَذَا بَيْتِي! أَنَا فَرُوخٌ! فَرُوخٌ مَوْلَى آلِ المُنْكَدِرِ مِنْ تَيْمِ قُرَيِشَ! قُولُوا الحَقَّ! هَذَا بَيْتِي!
قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: فَرُوخٌ؟ مَنْ هُوَ فَرُوخٌ؟ هَذَا البَيْتُ مِلْكُ رَبِيعَةَ الرَّأي.
وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّهُ كَاذِبٌ!
– نَعَم! إِنَّهُ لِصٌّ!
– هَلْ هُوَ فَرُوخٌ الَّذِي كَانَ هُنَا قَبْلَ ثَلَاثِينَ عَامًا؟ هَلْ عَادَ مِنْ خُرَاسَانَ؟
وَفَجْأَةً، سَمِعَ النَّاسُ صَوْتَ اِمرَأَةٍ تَصِيحُ مِنَ الْبَيْتِ: نَعَم! إِنَّهُ فَرُوخٌ يَا رَبِيعَةَ! إِنَّهُ أَبُوكَ! إِنَّهُ زَوْجِي! وَهَذَا وَلَدُكَ يَا فَرُوخُ! لَقَدْ سَافَرْتَ وَأَنَا حُبْلَى بِهِ. اُتْرُكُوه!
صَمَتَ النَّاسُ، وَكَانَتِ الدَّهْشَةُ كَبِيرَةً. ظَلَّ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَى الشَّيْخِ. مَشَى رَبِيعَةُ نَحْوَ أَبِيهِ. عَانَقَ رَبِيعَةُ أَبَاهُ. سَمِعَ النَّاسُ بُكَاءَ الشَّيْخِ وَالشَّابِّ، وَقُبُلَاتِهِمَا. خَرَجَتْ أُمُّ رَبِيعَةَ مِنَ البَيْتِ. ضَمَّتْ أُمُّ رَبِيعَةَ اِبْنَهَا وَزَوْجَهَا.
قَالَ شَيْخٌ: نَعَم! هَذَا أَبُو رَبِيعَةَ! لَكِنَّهُ أَصْبَحَ شَيْخًا!
ضَحِكَ النَّاسُ، وَصَاحَ بَعْضُهُم: حَمْدًا لِلَّهِ عَلَى سَلَامَتِكَ يَا أَبَا رَبِيعَةَ!
عَادَ النَّاسُ إِلَى بِيُوتِهِم. وَدَخَلَ فَرُوخٌ وَزَوْجَتُهُ وَابْنُهُ إِلَى البَيْتِ. ظَلَّتِ العَائِلَةُ الصَّغِيرَةُ تُرَدِّدُ: الحَمْدُ لِلَّهِ! الحَمْدُ لِلَّهِ! كَانَتِ الأُمُّ تَحْمَدُ اللَّهَ لِأَنَّ زَوْجَهَا عَادَ. وَكَانَ الأَبُ يَحْمدُ اللَّهَ عَلَى الاِبْنِ الَّذِي كَانَ جَنِينًا عِنْدَمَا غَادَرَ. وَكَانَ الاِبْنُ يَحْمَدُ اللَّهَ لِأَنَّهُ عَرَفَ أَنَّ الشَّيْخَ هُوَ أَبَاهُ. كَانَ رَبِيعَةُ يِشْعُرُ بِالأَلَمِ بِسَبَبِ الضَّرْبِ لَكِنَّهُ كَانَ سَعِيدًا.
ظَلَّتْ أُمُّ رَبِيعَةَ تَبْكِي، وَكَانَ أَبُو رَبِيعَةَ يَبْتَسِمُ. ضَمَّ أَبُو رَبِيعَةَ زَوْجَتَهُ وَهُوَ يَضْحَكُ. كَانَتْ أُمُّ رَبِيعَةَ تُفَكِّرُ خَائِفَةً: لَقَدْ عَادَ زَوْجِي. سَوْفَ يَسْأَلُنِي عَنِ المَالِ. لَقَدْ تَرَكَ لِي مَالًا كَثِيرًا. مَاذَا أٌقُولُ لَهُ عِنْدَمَا يَسْأَلُنِي عَنِ المَالِ؟
قَالَ الاِبْنُ: أَخْبِرنِي يَا أَبِي عَنِ الجِهَادِ؟ كَيْفَ كَانَ؟ وَكَيْفَ كَانَ حَالُكَ؟
قَالَتِ الأُمُّ: نَعَم يَا أَبَا رَبِيعَةَ! أَخْبِرْنَا!
قَالَ الأَبُ: أَقُولُ الجِهَادَ وَأَتَذَكَّرُكِ يَا أَمَّ رَبِيعَةَ. أَشْعُرُ أَنَّنِي وَدَّعْتُكِ أَمْسِ! لَقَدْ أَرَدْتُ الجِهَادَ يَا وَلِدِي، وَلَمْ تَبْكِ أُمُّكَ. كَانَتْ عَرُوسًا صَغِيرَةً، لَكِنَّهَا قَالَتْ لِي بِشَجَاعَةٍ: اِذْهَبْ وَعُدْ بِالنَّصْرِ! فَقُلتُ لَهَا: لَنْ أَعُودَ إِلَى هَذَا البَيْتِ حَتَّى يَشْرَبَ حِصَانِيَ مِنْ نَهْرِ سَيْحُونَ. وَقُلتُ إِنِّي سَوْفَ أَحْمِلُ الإِسْلَامَ لِبُلْدَانِ فَارِسَ. فَقَالَتْ لِي أُمُّكَ: وَإِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ هَذَا، هَلْ سَتَعُودُ خَائِبًا؟ فَقُلتُ لَهَا: سأَعُودُ بِالنَّصْرِ أَوِ الشَّهَادَةِ. لَقَدْ كَانَتْ أُمُّكَ مَنْ دَفَعَتْنِي إِلَى الجِهَادِ أَكَثَرَ. كُنْتُ أَسْمَعُ كَلَامَهَا كُلَّ يَوْمٍ، وَأَنَا أَصْعَدُ جَبَلًا، أَو أَهْبِطُ وَادِيًا. لَقَدْ قَالَتْ أُمُّكَ إِنَّها سَوفَ تَطْرُدُنِي مِنَ البَيْتِ إِذَا عُدْتُ مَهْزُومًا. حَدَّثَتْنِي أُمُّكَ عَنْ جِهَادِ الصَّحَابَةِ، وَعَنْ أَقْوَالِ الرَّسُولِ. وَكُنْتُ أَتَذَكَّرُ كلَامَهَا دَائِمًا. بَارَكَ اللَّهُ فِيكِ يَا أُمَّ رَبِيعَةَ! لَقَدْ بِعْتِ حَيَاتَكِ الزَّوْجِيَّةَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ! إِنَّكِ اِمْرَأةٌ عَظِيمَةٌ. مَنَحَكِ اللَّهُ الأَجْرَ!
قَالتِ الأُمُّ بَاكِيَةً: الأجْرَ؟ نَعَم! هَذَا مَا كُنْتُ أَقُولُهُ لِنَفْسِي عِنْدَمَا أَشْتَاقُ إِلَيْكَ. الأَجْرُ!
قَالَ رَبِيعَةُ: لَا تَبْكِ يَا أُمِّي! إِنَّكِ لَمْ تَبْكِ طَوَالَ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ عَامًا… وَالآنَ تَبْكِينَ؟ كُنْتِ تَبْتَسِمِينَ دَائِمًا.
قَالَتِ الأُمُّ: بَعْدَ أَنْ اِنْتَهَى كُلُّ شَيءٍ، وَعَادَ أَبُوكَ… هَذِهِ دُمُوعُ الرَّاحَةِ!
وَبَعْدَ بُكَاءٍ طَوِيلٍ ذَهَبَ الجَمِيعُ إِلَى النَّوْمِ. وَضَعَتِ الأُمُّ رَأْسَهَا عَلَى الْوِسَادَةِ. ظَنَّتِ الأُمُّ أَنَّ اِبْنَهَا وَزَوْجَهَا قَدْ نَامَا. فَكَّرَتِ الأُمُّ: مَاذَا أَقُولُ لِأَبِي رَبِيعَةَ عِنْدَمَا يَسْأَلُنِي عَنِ المَالِ؟ لَقَدْ كَانَتْ ثَلَاثِينَ أَلْفَ دِينَارٍ. هَلْ أَقُولُ لَهُ إِنَّ أَحَدُهُم سَرَقَ المَالَ؟ لا! هَذَا كَذِبٌ، وَأَنَا لَمْ أَكْذِبْ أَبَدًا. هَلْ أَقُولُ إِنِي عَمِلْتُ بِهَا فِي تِجَارَةٍ وَخَسِرْتُ؟ لَا! هَذَا كَذِبٌ أَيْضًا! سَوْفَ أَقُولُ الحَقِيقَةَ. أَقُولُ إِنِّي أَنْفَقْتُهَا كُلَّهَا عَلَى مَعِيْشَتِي أَنَا وَرَبِيعَةَ؟ لَكِنَّهُ مَالٌ كَثِيرٌ جِدًا. وَالحَقِيقَةُ هِيَ أَنِّي أَنْفَقْتُهَا عَلَى تَعْلِيمِ رَبِيعَةَ. لَقَدْ دَفَعْتُ مَالًا كَثِيرًا لِعُلَمَاءِ رَبِيعَةَ وَشُيُوخِهِ كَي يَهْتَمُوا بِتَعْلِيمِهِ. لَكِنْ… كُلُّ هَذَا المَالِ لِأَجْلِ العِلْمِ؟ لَنْ يُصَدِّقَ أَبُو رَبِيعَةَ أَبَدًا. مَاذَا أَقُولُ لَهُ؟
فَكَّرَتْ أُمُّ رَبِيعَةَ طَوِيلًا حَتَّى سَمِعَتْ أَذَانَ الفَجْرِ، فَقَامَتْ.
أَمَّا الأَبُ فَقَدْ وَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى الوِسَادَةِ، وَظَنَّ أَنَّ الجَمِيعَ قَدْ نَامَ، وَفَكَّرَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ! لَقَدْ قُمْتُ بِوَاجِبِ الجِهَادِ. سَوْفَ أَسْتَرِيحُ الآنَ. لَنْ أَعْمَلَ؛ لِأَنَّ عِنْدِيَ الكَثِيرُ مِنَ المَالِ. أَنَا لَمْ أَبْحَثْ عَنِ الغَنَائِمِ، لَكِنِّي تَرَكْتُ ثَلَاثِينَ أَلْفَ دِينَارٍ. رُبَّمَا أَنْفَقَتْ أُمُّ رَبِيعَةَ نِصْفَهَا… لَا! رُبَّمَا أَنْفَقَتْ رُبُعَهَا. لَا! لَا! رُبَّمَا أَنْفَقَتْ أَلْفًا أَوْ أَلْفَيْنِ. وَرَبِيعَةُ شَابٌّ كَبِيرٌ، رُبَّمَا عَمِلَ، وَأَعَادَ إِلَى المَالِ مَا نَقُصَ مِنْهُ. سَوْفَ أَسْأَلُ أُمَّ رَبِيعَةَ عِنْدَمَا تَسْتَيقِظُ. أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهَا اِمْرَأَةٌ حَرِيصَةٌ، لَا تُبَذِّرُ المَالَ أَبَدًا. أَنَا أُرِيدُ أَنْ أَطْمَئِنَّ فَقَطْ.
وَسَمِعَ أَبُو رَبِيعَةَ الأَذَانَ فَقَامَ بِسُرْعَةٍ.
أَمَّا الاِبْنُ، فَقَدْ عَادَ إِلَى غُرْفَتِهِ، وَسَجَدَ يَشْكُرُ اللَّهَ. وَظَلَّ رَبِيعَةَ يُصَلِّي حَتَّى سَمِعَ الأَذَانَ فَقَامَ بِسُرْعَةٍ، وَخَرَجَ مِنَ البَيْتِ إِلَى المَسْجِدِ النَّبَوِيِّ. وَقَامَ الأَبُ وَهُوَ يُفَكِرُ كَيْفَ يَسْأَلُ زَوْجَتَهُ عَنِ المَالِ. وَأَحْضَرَتِ الزَّوْجَةُ لِزَوْجِهَا ثِيَابًا نَظِيفَةً وَحِذَاءً. أَرَادَتِ أُمُّ رَبِيعَةَ أَنْ يَخْرُجَ زَوْجُهَا بِسُرْعَةٍ كَي تُفَكِّرَ فِي جَوَابٍ. فَكَّرَ أَبُو رَبِيعَةَ: سَوْفَ يَأْتِي الضُّيُوفُ، وَلَنْ أَجِدَ وَقْتًا مُنَاسِبًا لِأَسْأَلَ عَنِ المَالِ. سَوْفَ أَسْأَلُهَا الآنَ.
قَالَتْ أُمُّ رَبِيعَةَ: اِسْرِعْ يَا أَبَا رَبِيعَةَ! سَوْفَ تَتَأَخْرُ عَنِ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ.
هَزَّ أَبُو رَبِيعَةَ رَأْسَهُ وَقَالَ: نَعَم! لَقَدْ اِشْتَقْتُ لِمَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ. لَكِنْ… لَا تَدْفَعِينِي يَا أُمَّ رَبِيعَةَ! أُخْبِرِينِي يَا أُمَّ رَبِيعَةَ كَي أَرْتَاحَ… مَاذَا فَعَلْتِ بَالمَالِ الَّذِي تَرَكْتُهُ؟
لَمْ تَعْرِفْ أُمُّ رَبِيعَةَ بِمَاذَا تُجِيبُ. قَالَتْ: إِنَّهُ مُوْجُودٌ.
ظَنَّتْ أُمُّ رَبِيعَةَ أَنَّ زَوْجَهَا سَيْخْرُجُ، لَكِنَّهُ قَالَ: إِنَّكِ اِمْرَأةٌ صَالِحَةٌ يَا أُمَّ رَبِيعَةَ! أُرِيدُ أَنْ أَرَى المَالَ! أُرِيدُ أَنْ أَرَى الذَّهَبَ وَأَرْتَاحَ!
خَافَتْ أُمُّ رَبِيعَةَ، وَتَذَكَّرَتْ شَكْلَ الصُّنْدُوقِ الفَارِغِ. صَاحَتْ أُمُّ رَبِيعَةَ: الصَّلَاةُ يَا أَبَا رَبِيعَةَ! الصَّلَاةُ! كُنْتَ تَخْرُجُ إِلَى المَسْجِدِ قَبْلَ الأَذَانِ. هَلْ نَسِيتَ صَلَاتَكَ؟ مَا هَذَا يَا فَرُوخُ؟
خَجِلَ أَبُو رَبِيعَةَ وَخَرَجَ مِنَ البَيْتِ مُسْرِعًا. سَمِعَ أَبُو رَبِيعَةَ زَوْجَتَهُ تَصِيحُ: اِطْمَئنَّ يَا أَبَا رَبِيعَةَ! لَمْ يَضِعْ مِنْ مَالِكَ شَيءٌ!
شَعَرَتْ أُمُّ رَبِيعَةَ بِالنَّدَمِ لِأَنَّهَا أَنْفَقَتِ الكَثِيرَ مِنَ المَالِ. لَكِنَّهَا قَالَتْ: لَا! لَقَدْ عَلَّمْتُ رَبِيعَةَ، وَلَمْ يَعْمَلْ كَي يَدْرُسَ. أَنَا لَمْ أُضَيِّعْ مِنَ المَالِ شَيئًا. لَقَدَ فَعَلْتُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَمَا قَالَهُ رَسُولُهُ. ظَلَّتْ أُمُّ رَبِيعَةَ تُذَكِّرُ نَفْسَهَا بِأَهَمِيَّةِ العِلْمِ. وَبَعْدَ دَقَائِقَ، وَجَدَتْ جَوَابًا لِزَوْجِهَا.
أَمَّا الأَبُ، فَقَدْ جَرَى فِي الطَّرِيقِ كَي يَصِلَ إِلَى المَسْجِدِ بِسُرعَةٍ. وَحِينَمَا وَصَلَ، كَانَ يَقِفُ فِي آخِرَ الصُّفُوفِ. شَعَرَ الأَبُ بِالنَّدَمِ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ البَيْتِ سَرِيعًا. شَعَرَ أَبُو رَبِيعَةَ بِالرَّاحَةِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ. تَذَكَّرَ أَبُو رَبِيعَةَ عِنْدَمَا جَاءَ إِلَى هُنَا قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ. تَذَكَّرَ أَنَّهُ دَعَا اللَّهَ أَنْ يَمْنَحَهُ زَوْجَةً ذَاتَ عِلْمٍ وَدِينٍ. وَفَجْأَةً، اِنْتَبَهَ أَبُو رَبِيعَةَ إِلَى النَّاسِ مِنْ حَوْلِهِ. كَانَ النَّاسُ يَجْتَمِعُونَ حَوْلَ عَالِمٍ. كَانَ العَالِمُ مُنْخَفِضَ الرَّأْسِ. قَالَ أَبُو رَبِيعَةَ لِنَفْسِهِ: لِمَاذَا يُخْفِضُ هَذَا العَالِمُ رَأْسَهُ؟ رُبَّمَا لِأَنَّهُ مُتَوَاضِعٌ. لَا أَسْتَطِيعُ رُؤْيَةَ وَجْهِهِ! يَبْدُو عَالِمًا عَظِيمًا.
اِقْتَرَبَ أَبُو رَبِيعَةَ وَجَلَسَ كَي يَسْمَعَ. كَانَ العَالِمُ يَذْكُرُ أَحَادِيثَ رَسُولِ اللَّهِ، وَيَذْكُرُ أَحْكَامًا. قَالَ أَبُو رَبِيعَةَ: إِنَّهُ عَالِمٌ كَبِيرٌ. لَمْ أَسْمَعْ عَالِمًا فَصِيحًا مِثْلَهُ. مَنْ عَلَّمَ هَذَا الرَّجُلَ؟ لَقَدْ تَعِبَ مَنْ عَلَّمَهُ… لَكِنَّ ثَمَرَةَ تَعَبِهِ وَاضِحَةٌ. لَيْتَ هَذَا العَالِمَ العَظِيمَ اِبْنِي. إِنَّ وَالِدَ هَذَا العَالِمِ سَعِيدٌ جِدًّا. هَلْ يَمْلِكُ رَبِيعَةُ نِصْفَ هَذَا العِلْمِ؟ رُبَّمَا تَعَلَّمَ شَيْئًا. لَيْتَنِي تَعَلَّمْتُ شَيئًا! لَكِنِّي ذَهَبْتُ إِلَى الجِهَادِ. هَذَا شَيءٌ عَظِيمٌ أَيْضًا!
وَبَعْدَ فَتْرَةٍ، قَامَ العَالِمُ، وَقَامَ النَّاسُ. لَمْ يَنْتَبِهْ أَبُو رَبِيعَةَ لِذَلِكَ. سَأَلَ أَبُو رَبِيعَةَ رَجُلًا جَالِسًا بِقُرْبِهِ: مَنْ هَذَا العَالِمُ؟
نَظَرَ الرَّجُلُ إِلَى أَبِي رَبِيعَةَ بِدَهِشَةٍ، وَقَالَ: لَا تَعْرِفُهُ؟ إِنَّهُ عَالِمُ المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ، إِنَّه الفَقِيهُ وَالْمُحَدِّثُ. لَقَدْ رَأَى بَعْضَ الصَّحَابَةِ. لَيْسَ هُنَالِكَ طِفْلٌ لَا يَعْرِفُهُ.
قَالَ أَبُو رَبِيعَةَ: لَقَدْ كُنْتُ غَائِبًا عَنِ المَدِينَةِ.
قَالَ الرَّجُلُ: المُسْلِمُونَ كُلُّهُم يَعْرِفُونَهُ.
قَالَ أَبُو رَبِيعَةَ: لَمْ أَعْرِفْهُ لِأَنِّي كُنْتُ فِي خُرَاسَانَ. كُنْتُ فِي الْجِهَادِ.
قَالَ الرَّجُلُ: فِي الجِهَادِ؟ نَعَم! هَذَا هُوَ السَّبَبُ. سَوْفَ أُخْبِرُكَ عَنْ هَذَا العَالِمِ. إِنَّهُ صَغِيرٌ فِي السِّنِ، لَكِنَّهُ ذَكِيٌّ جِدًّا. وَقَدْ حَصَلَ عَلَى عِلْمٍ كَثِيرٍ. أَسَاتِذَتُهُ شِيُوخٌ كِبَارٌ. وَهُوَ كَرِيمٌ يُحِبُّهُ الفُقَرَاءُ وَالأَغْنِيَاءُ. وَيُحِبُّهُ العُلَمَاءُ وَيَحْتَرِمُونَهُ. إِنَّهُ شَابٌّ عَابِدٌ، كَثِيرُ الصَّلَاةِ وَالاسْتِغْفَارِ. وَلَهُ صَوْتٌ جَمِيلٌ عِنْدَمَا يَقْرَأُ القُرْآنَ. النَّاسُ يَجْتَمِعُونَ حَوْلَهُ عِنْدَمَا يَقْرَأُ، وَعِنْدَمَا يَتَحَدَّثُ، كِبَارًا وَصِغَارًا. إِنَّهُ عَالِمٌ عَظِيمٌ!
قَالَ أَبُو رَبِيعَةَ: مَا اسْمُهُ؟ أَنَا أَسْأَلُكَ عِنِ اِسْمِهِ.
قَالَ الرَّجُلُ: ظَنَنْتُ أَنَّكَ سَتَعْرِفُهُ بَعْدَ كُلِّ هَذَا… إِنَّهُ رَبِيعَةَ الرَّأَي، كَانُوا يُنَادُونَ أَبَاهَ بِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَاسْمُ أَبِيهِ فَرُوخُ. قَالَوا إِنَّهُ ذَهَبَ إِلَى الْجِهَادِ فِي خُرَاسَانَ. هَلْ رَأَيْتَهُ هُنَاكَ؟
لَمْ يَرُدّ أَبُو رَبِيعَةَ عَلَى الرَّجُلِ. كَانَ أَبُو رِبِيعَةَ سَعِيدًا. بَكَى أَبُو رَبِيعَةَ وَهُوَ يَحْمَدُ اللَّهَ. قَالَ الرَّجُلُ: مَاذَا بِكَ؟ هَلْ أَنْتَ مَرِيضٌ؟
هَزَّ الرَّجُلُ أَبَا رَبِيعَةَ وَهُوَ خَائِفٌ. قَال أَبُو رَبِيعَةَ: لَا شَيءَ! لَا شَيءَ!
وَقَفَ أَبُو رَبِيعَةَ وَغَادَرَ المَسْجِدَ. قَالَ الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ: رُبَّمَا كَانَ صَدِيقَ فَرُوخَ. رُبَّمَا اِسْتَشْهَدَ فَرُوخُ، وَهَذَا حَزِينٌ عَلَيْهِ. رَحِمَكَ اللَّهُ يَا فَرُوخُ!
جَرَى أَبُو رَبِيعَةَ إِلَى بَيْتِهِ. وَعِنْدَمَا دَخَلَ، صَاحَ: يَا أُمَّ رَبِيعَةَ! يَا أُمَّ رَبِيعَةَ! بُشْرَى!
جَرَتْ أُمُّ رَبِيعَةَ إِلَى زَوْجِهَا: مَا هِيَ البُشْرَى يَا أَبَا رَبِيعَةَ؟
قَالَ أَبُو رَبِيعَةَ: لَقَدْ حَصَلْنَا عَلَى خَيْرِ الدُّنْيَا.
قَالتِ الأُمُّ: وَمَا هُوَ؟
أَجَابَ: الابْنُ! وَلَدٌ صَالِحٌ. وَلَدٌ عَالِمٌ. الحَمْدُ لِلَّهِ! لَمْ أَحْلُمْ بِهَذَا أَبَدًا.
اِبْتَسَمَتْ أُمُّ رَبِيعَةَ وَقَالَتْ: مَا تُحِبُّ أَكْثَرَ يَا أَبَا رَبِيعَةَ: ثلَاثُونَ أَلْفَ دِينَارٍ، أَوْ حَالُ اِبْنِكَ الآنَ؟
أَجَابَ الأَبُ سَرِيعًا: حَالُ اِبْنِي! اِبنِي العَالِمُ.
قَالَتِ الأُمُّ: هَذَا مَا فَكَّرْتُ فِيهِ يَا أَبَا رَبِيعَةَ! وَلَدٌ صَالِحٌ. وَلَدٌ عَالِمٌ. لَقَدْ أَنْفَقْتُ كُلَّ المَالِ الَّذِي تَرَكْتَهُ. لَمْ يَبْقَ مِنَ المَالِ شَيءٌ!
قَالَ الأَبُ: لَمْ يَضِعْ مِنْهُ شَيءٌ يَا أُمَّ رَبِيعَةَ. إِنَّكِ اِمْرَأَةٌ عَظِيمَةٌ، وَأُمٌّ عَظِيمَةٌ. جَزَاكِ اللَّهُ خَيْرًا. بَحَثْتِ عَنِ العِلْمِ، وَلَمْ تَبْحَثِي عَنِ المَالِ!