This Arabic short story (A Necklace of Pearls) is for beginners, namely for non-Arabs. It is taken from a book entitled A Word of Truth. This book is written by Mohammed Hassan Al-Humsi. The original text is meant for native speakers of Arabic, hence written in more advanced Arabic. This Arabic short story for beginners has been abridged and simplified to be suitable for learners of Arabic as a foreign language.
كَانَ فِي بَغْدَادَ شَيْخٌ، لَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ. كَانَ اِسْمُ الشَّيْخُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ. كَانَ هَذَا الشَّيْخُ فِي الثَّمَانِينَ مِنْ عُمُرِهِ، لَكِنَّهُ كَانَ نَشِيطًا وَقَوِيًّا. كَانَ النَّاسُ يُنَادُونَ الشَّيْخَ بِالشَّيْخِ الْغَرِيبِ. كَانَ الشَّيْخُ يَسْكُنُ فِي فُنْدُقٍ صَغِيرٍ. كَانَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى الْحَجِّ؛ لِذَلِكَ كَانَ فِي بَغْدَادَ. كَانَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ يَنْتَظِرُ قَافِلَةَ الْحَجِّ. الطَّرِيقُ إِلَى مَكَّةَ طَوِيلٌ جِدًّا، وَهَذَا الطَّرِيقُ خَطِيرٌ. هُنَالِكَ الْكَثِيرُ مِنَ اللُّصُوصِ فِي الطَّرِيقِ. لِهَذَا السَّبَبِ، لَا يَسْتَطِيعُ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ أَنْ يُسَافِرَ وَحِيدًا.
وَبَعْدَ مُدَّةٍ، اِكْتَمَلَتِ الْقَافِلَةُ. أَسْرَعَ النَّاسُ فِي جَمْعِ حَاجَاتِهِم. وَعِنْدَمَا سَمِعَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ بِالْخَبَرِ، عَادَ إِلَى الْفُنْدُقِ. جَمَعَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ طَعَامًا، وَشَرَابًا، وَثِيَابًا، وَمَالًا. وَكَانَ مَعَ الشَّيْخِ الْغَرِيبِ شَيْئًا آخَرَ. كَانَ مَعَ الشَّيْخِ عِقْدٌ مِنَ اللُّؤْلُؤِ. لَقَدْ عَمِلَ الشَّيْخُ طَوِيلًا، ثُمَّ اشْتَرَى هَذَا الْعِقْدَ. اِشْتَرَى الشَّيْخُ الْغَرِيبُ عِقْدَ اللُّؤْلُؤِ بِاثْنَيّ عَشَرَ أَلْفَ دِينَارٍ. كَانَ ذَلِكَ الْمَالُ كُلَّ مَالِهِ. إِنَّهُ ثَرْوَةٌ كَبِيرَةٌ وَخَفِيفَةٌ. لَكِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحْمِلَ الْعِقْدَ مَعَهُ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ. فَكَّرَ الشَّيْخُ: أَيْنَ أَضَعُ الْعِقْدَ؟ هَلْ أَحْفِرُ حُفْرَةً هُنَا، وَأُخْرِجُهُ بَعْدَ أَنْ أَعُودَ؟ لَا! مَاذَا لَوْ وَجَدَهُ شَخْصٌ مَا. هَلْ أَضَعُهُ أَمَانَةً عِنْدَ مَالِكِ الْفُنْدُقِ، وَأَحْضِرُ شُهُودًا؟ سَوْفَ يَعْرِفُ النَّاسُ أَنَّ مَعِي هَذِهِ الثَّرْوَةَ الْخَفِيفَةَ؛ سَوْفَ يُحَاوِلُونَ أَنْ يَسْرِقُوهَا. لَنْ يَعْلَمَ أَحَدٌ أَنِّي أَمْلِكُ هَذَا الْعِقْدَ. مَاذَا أَفْعَلُ؟ أَنَا لَا أَعْرِفُ أَحَدًا فِي بَغْدَادَ. أَنَا لَا أَثِقُ بِأَحَدٍ هُنَا!
ظَلَّ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ يُفَكِّرُ طَوِيلًا. وَفَجْأَةً، تَذَكَّرَ أَبَا سَعِيدٍ الْعَطَّارَ. قَال الشَّيْخُ الْغَرِيبُ لِنَفْسِهِ: نَعَمْ! هَذَا هُوَ الرَّجُلُ الْمُنَاسِبُ! إِنَّهُ رَجُلٌ طَيِّبٌ، وَلَقَدْ جَلَسْتُ مَعَهُ طَوِيلًا. هُوَ الْوَحِيدُ الَّذِي حَدَّثِنِي حَدِيثًا طَوِيلًا. سَوْفَ أَذْهَبُ إِلَيْهِ الْآنَ، قَبْلَ أَنْ يُغْلِقَ دُكَّانَهُ.
خَرَجَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ مِنَ الْفُنْدُقِ مُسْرِعًا. كَانَ بَعْضُ النَّاسِ يُغْلِقُونَ دَكَاكِينَهُم. رَأَى الشَّيْخُ الْغَرِيبُ أَبَا سَعِيدٍ، يُرَتِّبُ دُكَّانَهُ. دَخَلَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ إِلَى الدُّكَّانِ. لَمْ يَكُنْ فِي الدُّكَّانِ أَحَدٌ آخَرُ. قَالَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ: السَّلامُ عَلَيْكُم! أُرِيدُ أَنْ أَقُولَ لَكَ شَيْئًا يَا أَبَا سَعِيدٍ. أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّنِي رَجُلٌ غَرِيبٌ عَنْ بَغْدَادَ. أَنَا لَا أعْرِفُ أَحَدًا هُنَا. لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَعْتَمِدَ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا عَلَيْكَ.
عَبَسَ أَبُو سَعِيدٍ، وَقَالَ غَاضِبًا: أَنَا لَا أَمْلِكُ مَالًا. لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُعْطِيَكَ شَيْئًا.
قَالَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ: أَنَا أَمْلِكُ الْمَالَ. أَنَا أُرِيدُ أَنْ أَذْهَبَ إِلَى الْحَجِّ. لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ مَعِي ثَرْوَتِي. أَنْتَ تَعْلَمُ أَنْ اللُّصُوصَ كَثِيرُونَ.
اِبْتَسَمَ أَبُو سَعِيدٍ، وَقَالَ: اِجْلِسْ! أَخْبِرْنِي مَاذَا تُرِيدُ.
قَالَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ: أُرِيدُ أَنْ أَضَعَ عِنْدَكَ أَمَانَةً حَتَّى أَعُودَ. لَا أُرِيدُ أَنْ يَعْلَمَ أَحَدٌ عَنْ هَذِهِ الثَّرْوَةِ.
أَخْرَجَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ قِطْعَةً مِنَ الْحَرِيرِ الْأَحْمَرِ. رَفَعَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ الْقُمَاشَ. رَأَى أَبُو سَعِيدٍ عِقْدًا طَوِيلًا مِنَ اللُّؤْلُؤِ، وَشَعَرَ بِالدَّهْشَةِ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ لِنَفْسِهِ: إِنَّهُ عِقْدٌ غَالٍ جِدًّا. لَوْ أَنَّهُ مِلْكِي، لَنْ أَعْمَلَ فِي هَذَا الدُّكَّانِ أَبَدًا.
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ لِلرَّجُلِ الْغَرِيبِ: لَا! لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَحْمِلَ هَذِهِ الْأَمَانَةَ. رُبَّمَا يَسْرِقُهُ أَحَدٌ.
قَالَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ: لَا تَقْلَقْ! لَا أَحْدَ يَعْلَمُ شَيْئًا عَنْهُ. حَافِظْ عَلَيْهِ حَتَّى أَعُودَ.
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: لَا أَحَدَ يَعْلَمُ أَنْ عِنْدَكَ هَذَا الْعِقْدَ؟
أَجَابَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ: لَا أَحَدَ.
سَأَلَ أَبُو سَعِيدٍ: وَلَا أَحَدَ يَعْلَمُ أَنَّهُ عِنْدِيَ الْآنَ؟
أجَابَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ: لَا أَحَدَ يَعْلَمُ أَبَدًا.
هَزَّ أَبُو سَعِيدٍ رَأْسَهُ، وَقَالَ: سَوْفَ أَحْتَفِظُ بِهِ حَتَّى تَعُودَ.
لَفَّ أَبُو سَعِيدٍ الْعِقْدَ بِقِطْعَةِ الْحَرِيرِ الْأَحْمَرِ، وَوَضَعَهَا فِي صُنْدوقٍ خَشَبِيٍّ جَمِيلٍ.
اِبْتَسَمَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ وَشَكَرَ أَبَا سَعِيدٍ. وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي، غَادَر الشَّيْخُ الْغَرِيبُ بَغْدَادَ إِلَى مَكَّةَ. كَانَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ يُفَكِّرُ أَنَّهُ اِخْتَارَ الرَّجُلَ الْمُنَاسِبَ.
وَبَعْدَ أَنْ اِنْتَهَى الشَّيْخُ الْغَرِيبُ مِنَ الْحَجِّ، عَادَتِ الْقَافِلَةُ إِلَى بَغْدَادَ. كَانَ الشَّيْخُ الْغَريبُ سَعِيدًا. أَرَادَ الشَّيْخُ الْغَريبُ أَنْ يَرَى عِقْدَ اللُّؤْلُؤِ. أَرَادَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ أَنْ يَطْمَئِنَّ عَلَى ثَرْوَتِهِ الْخَفِيفَةِ. وبَعْدَ أَنْ وَضَعَ حَاجَاتِهِ فِي الْفُنْدُقِ، اِنْتَظَرَ أَنْ يَأْتِيَ أَبُو سَعِيدٍ الْعَطَّارُ لِزِيَارَتِهِ؛ كَيْ يُسَلِّمَ الْأَمَانَةَ، لَكِنَّهُ لَمْ يَأْتِ. قَالَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ: رُبَّمَا يَكُونُ أَبُو سَعِيدٍ مَشْغُولًا جِدًّا.
وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي، ذَهَبَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ إِلَى دُكَّانِ أَبِي سَعِيدٍ الْعَطَّارِ. دَخَلَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ دُكَّانَ أَبِي سَعِيدٍ. كَانَ أَبُو سَعِيدٍ يَجْلِسُ وَحِيدًا، وَفِي يَدِهِ وَرَقَةٌ. كَانَ أَبُو سَعِيدٍ يَكْتُبُ شَيْئًا. عَانَقَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ أَبَا سَعِيدٍ. لَمْ يَتَكَلَّمْ أَبُو سَعِيدٍ. تَرَكَ أَبُو سَعِيدٍ الشَّيْخَ الْغَرِيبَ وَعَادَ يَكْتُبُ. قَالَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ: هَذِهِ هَدِيَّتُكَ مِنْ مَكَّةَ يَا أَبَا سَعِيدٍ.
نَظَرَ أَبُو سَعِيدٍ إِلَى الْهَدِيَّةِ، وَقَالَ: شُكْرًا.
ثُمَّ عَادَ يَكْتُبُ. صَمَتَ الشَّيْخُ الْغَريبُ قَلِيلًا، ثمَّ قَالَ: سَامِحْنِي يَا أَبَا سَعِيدٍ؛ أَنَا لَا أَسْتَطِيعُ الاِنْتِظَارَ. لَقَدْ أَزْعَجْتُكَ بِأَمَانَتِي. شُكْرًا لَكَ!
رَفَعَ أَبُو سَعِيدٍ نَظَرَهُ عَنِ الْوَرَقَةِ، وَقَالَ: أَمَانَتُكَ؟ أَيُّ أَمَانَةٍ؟ وَعَلَى مَاذَا تَشْكُرُنِي؟ أَنْتَ مُخْطِئٌ!
اِقْتَرَبَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ: هَلْ نَسِيتَ يَا أَبَا سَعِيدٍ؟ لَقَدْ تَرَكْتُ عِنْدَكَ أَمَانَةً قَبْلَ أَنْ أَذْهَبَ إِلَى الْحَجِّ.
صَاحَ أَبُو سَعِيدٍ: لَا أَعْرِفُ الأَمَانَةَ الَّتِي تَتَحَدَّثُ عَنْهَا.
خَافَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ وَقَالَ: الْأَمَانَةُ... عِقْدُ اللُّؤْلُؤِ... كَانَ فِي قِطْعَةٍ مِنَ الْحَرِيرِ الْأَحْمَرِ.
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَيُّ أَمَانَةٍ؟ وَأَيُّ لُؤْلُؤٍ؟ وَأَيُّ حَرِيرٍ؟ مَا هَذَا الَّذِي تَتَحَدَّثُ عَنْهُ؟
قَالَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ لِنَفْسِهِ: هَلْ يُنْكِرُ أَبُو سَعِيدٍ الْأَمَانَةَ؟ لَا أَحَدَ يَعْرِفُ عَنْهَا. لَنْ يُصَدِّقَنِي أَحَدٌ. قَالَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ لِأَبِي سَعِيدٍ: أَرْجُوكَ يَا أَبَا سَعِيدٍ. أَعْطِنِي عِقْدَ اللُّؤْلُؤِ. لَا أَحَدَ يَعْرِفُ، لَكِنَّ اللَّهَ يَعْرِفُ! اللَّهُ يَرَاكَ!
وَقَفَ أَبُو سَعِيدٍ غَاضِبًا، وَصَاحَ: اُخْرُجْ! أَنْتَ مَجْنُونٌ! تَتَّهِمُنِي؟
دَفَعَ أَبُو سَعِيدٍ الْعَطَّارُ الشَّيْخَ الْغَرِيبَ إِلَى خَارِجِ الدُّكَّانِ. صَاحَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ: أَنْتَ لِصٌّ يَا أَبَا سَعِيدٍ. أَعْطِنِي عِقْدَ اللُّؤْلُؤِ. إِنَّ قِيمَتَهُ اِثْنَا عَشَرَ أَلَفَ دِينَارٍ.
سَأَلَ رَجُلٌ: مَنْ هَذَا يَا أَبَا سَعِيدٍ؟
أَجَابَ أَبُو سَعِيدٍ: لَا أَعْرِفُهُ! جَاءَ وَأَعْطَانِي هَدِيَّةً ثُمَّ سَأَلَنِي عَنِ الْأَمَانَةِ. يَتَّهِمُنِي!
صَاحَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ: أُقْسِمُ بِاللَّهِ أَنِّي تَرَكْتُ عِنْدَهُ أَمَانَةً. لَقَدْ تَرَكْتُ عِنْدْهُ عِقْدًا مِنَ اللُّؤْلُؤِ، قِيمَتُهُ اِثْنَا عَشَرَ أَلَفَ دِينَارٍ.
قَالَ النَّاسُ: مَنْ أَنْتَ؟ نَحْنُ لَا نَعْرِفُكَ. أَنْتَ مَجْنُونٌ فَقِيرٌ. قَالَ يَمْلِكُ اِثْنَي عَشَرَ أَلْفًا! هَذَا كَذِبٌ. شَفَاكَ اللَّهُ أَيُّهَا الشَّيْخُ!
صَاحَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ: كَذِبٌ؟ أَنْتُم حَمْقَى! اُنْظُرُوا إِلَيْهِ! إِنَّ وَجْهَهُ كَاذِبٌ. لَقَدْ أَعْطَيْتُهُ عِقْدَ اللُّؤْلُؤِ فِي حَرِيرٍ أَحْمَرَ.
سَأَلَ شَابٌّ: هَلْ لَدَيْكَ شُهُودٌ؟
صَاحَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ بَاكِيًا: لَا! إِنَّهُ كَاذِبٌ!
ضَرَبَ أَبُو سَعِيدٍ الشَّيْخَ الْغَرِيبَ. سَحَبَ النَّاسُ الشَّيْخَ الْغَرِيبَ وَرَمُوهُ فِي الطَّرِيقِ. عَادَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ إِلَى الْفُنْدُقِ. وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي، ذَهَبَ إِلَى دُكَّانِ أَبِي سَعِيدٍ. صَاحَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ وَطَلَبَ عِقْدَ اللُّؤْلُؤِ. اِجْتَمَعَ الْأَطْفَالُ حَوْلَ الشَّيْخِ الْغَرِيبِ. رَمَى الْأَطْفَالُ الشَّيْخَ الْغَرِيبَ بِالْحِجَارَةِ، وَصَاحُوا: مَجْنُونٌ! مَجْنُونٌ!
هَرَبَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ، وَتَبِعَهُ الْأَطْفَالُ. خَرَجَ شَابٌّ مِنْ دُكَّانِهِ. صَاحَ الشَّابُّ: اِبْتَعِدُوا! اُتْرُكُوا الشَّيْخَ! فَهَرَبَ الْأَطْفَالُ. أَمْسَكَ الشَّابُّ يَدَ الشَّيْخِ الْغَرِيبِ، وَأَدْخَلَهُ إِلَى دُكَّانِهِ. أَحْضَرَ الشَّابُّ طَعَامًا وَمَاءً. طَلَبَ الشَّابُّ مِنَ الشَّيْخِ الْغَرِيبِ أَنْ يَأْكُلَ. أَكَلَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ، وَشَكَرَ الشَّابَّ. قَالَ الشَّابُّ: أَنَا لَا أَعْرِفُكَ، لَكِنِّي أَذْكُرُ أَنِّي رَأَيْتُكَ مِنْ قَبْلُ. كُنْتَ تَجْلِسُ أَمَامَ دُكَّانِ أَبِي سَعِيدٍ الْعَطَّارِ. تَبْدُو رَجُلًا فَقِيرًا وَصَالِحًا. اُتْرُكِ الْكَذِبَ.
أَعْطَى الشَّابُّ الشَّيْخَ الْغَرِيبَ مَالًا، فَوَقَفَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ، وَقَالَ: أَنَا لَا أُرِيدُ مِنْكَ شَيْئًا. أَنَا غَنِيٌّ. وَذَهَبْتُ إِلَى الْحَجِّ. أَنْتُم قَوْمٌ حَمْقَى. لَقَدْ وَقَفْتُم مَعَ أَبِي سَعِيدٍ؛ لِأَنَّكُم تَعْرِفُونَهُ. أَنَا غَرِيبٌ لَكِنِّي صَادِقٌ!
بَكَى الشَّيْخُ الْغَرِيبُ، وَقَالَ: لَا أَحَدَ هُنَا يَسْمَعُ الْحَقَّ.
حَزِنَ الشَّابُّ وَقَالَ: يَبْدُو أَنَّكَ تَقُولُ الْحَقَّ. أَخْبِرْنِي بِقِصَّتِكَ.
حَكَى الشَّيْخُ الْغَرِيبُ لِلشَّابِّ قِصَّةَ الْأَمَانَةِ كَامِلَةً. قَالَ الشَّابُّ بَعْدَ أَنْ سَمِعَ الْقِصَّةَ: أَنْتَ لَا تَمْلِكُ شُهُودًا. وَلَو طَلَبَ الْقَاضِيُ مِنَ الْعَطَّارِ أَنْ يَحْلِفَ... سَوْفَ يَحْلِفُ الْعَطَّارُ كَذِبًا! اِسْمَعْ! اِذْهَبْ إِلَى عَضُدِ الدَّوْلَةِ. إِنَّهُ رَجُلٌ عَادِلٌ، عَلَى الرُّغْمِ مِنْ أَنَّهُ قَاسٍ.
ذَهَبَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ إِلَى عَضُدِ الدَّوْلَةِ. حَكَى الشَّيْخُ الْغَرِيبُ قِصَّتَهُ. صَدَّقَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ كَلَامَ الشَّيْخِ الْغَرِيبِ. قَالَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ: اِذْهَبْ وَاجْلِسْ قُرْبَ دُكَّانِ أَبِي سَعِيدٍ الْعَطَّارِ لِمُدَّةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَسَوْفَ آتِي إِلَيْكَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ. لَا تُكَلِّمَ الْعَطَّارَ، وَلَا تَشْكُو مِنْهُ. لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا.
ذَهَبَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ إِلَى دُكَّانِ الْعَطَّارِ. فَعَلَ الشَّيْخُ كُلَّ مَا طَلَبَهُ عَضُدُ الدَّوْلِةِ. وَفِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ، صَاحَ النَّاسُ: مَوْكِبُ عَضُدِ الدَّوْلَةِ! عَضُدُ الدَّوْلَةِ فِي السُّوقِ! اِبْتَعِدُوا!
رَأَى الشَّيْخُ الْغَرِيبُ عَضُدَ الدَّوْلَةِ، وَكَانَ حَوْلَهُ الْكَثِيرُ مِنَ الْحَرَسِ. تَوَقَّفَ حِصَانُ عَضُدِ الدَّوْلِةِ؛ فَتَوَقَّفَ الْمَوْكِبُ. نَزَلَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ عَنْ حِصَانِهِ. مَشَى عَضُدُ الدَّوْلَةِ نَحْوَ الشَّيْخِ الْغَرِيبِ. صَاحَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ: أَبَا عَبْدِ اللَّهِ! السَّلَامُ عَلَيْكُم يَا أَخِي!
أَجَابَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ: وَعَلَيْكُمُ السَلَامُ.
قَالَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ: يَا أَخِي! تَأْتِي الْعِرَاقَ وَلَا تَزُورُنَا؟ أَنَا أَلُومُكَ! هَلْ لَكَ حَاجَةٌ يَا أَخِي؟
لَمْ يَعْرِفِ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ مَاذَا يَقُولُ. قَالَ عَضُدُ الدَّوْلَةُ: عِنْدَمَا تَنْتَهِي مِنَ السُّوقِ، تَعَالَ لِزِيَارَتِي. سَوْفَ أَنْتَظِرُكَ الْيَوْمَ!
عَادَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ إِلَى حِصَانِهِ، ثُمَّ تَحَرَّكَ الْمَوْكِبُ. وَعِنْدَمَا اِخْتَفَى الْمَوْكِبُ، خَرَجَ أَبُو سَعِيدٍ الْعَطَّارُ مِنْ دُكَّانِهِ. مَشَى أَبُو سَعِيدٍ نَحْوَ الشَّيْخِ الْغَرِيبِ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: هَلْ أَنْتَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ عَنْ بَغْدَادَ، الْحَاجُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ؟
رَدَّ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ: نَعَمْ! أَنَا هُوَ!
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَامَحَكَ اللَّهُ! لِمَاذَا لَمْ تُخْبِرْنِي بِهَذَا مُنْذُ أَيَّامٍ؟
أَجَابَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ: لَقَدْ أَخْبَرْتُكَ.
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: ظَنَنْتُكَ لِصًّا. لَقَدْ خِفْتُ عَلَى الْأَمَانَةِ. أَخْبِرْنِي مَاذَا أَوْدَعْتَ عِنْدِي؟
أَجَابَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ أَبَا سَعِيدٍ: عِقْدًا مِنَ اللُّؤْلُؤِ فِي حَرِيرٍ أَحْمَرَ. وَقَدْ وَضَعْتَهُ فِي صُنْدُوقٍ خَشَبِيٍّ جَمِيلٍ.
اِبْتَسَمَ أَبُو سَعِيدٍ، وَقَالَ: نَعَمْ، نَعَمْ! لَمْ أَفْتَحِ الصُّنْدُوقَ مُنْذُ غَادَرْتَ. تَعَالَ مَعِي.
دَخَلَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ إِلَى الدُّكَانِ. أَخْرَجَ أَبُو سَعِيدٍ الْعَطَّارُ صُنْدُوقًا، وَفَتَحَهُ. كَانَ الْعِقْدُ فِي دَاخِلِ الْحَرِيرِ. صَاحَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ بِسَعَادَةٍ: إِنَّهُ عِقْدُ اللُّؤْلُؤِ. الْمَالُ الْحَلَالُ!
اِبْتَسَمَ أَبُو سَعِيدٍ، وَقَالَ: خُذْهُ! إِنَّهُ مَالُكَ! لَقْدَ حَمَلْتُ أَمَانَةً ثَقِيلَةً.
أَخَذَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ الْعِقْدَ وَعَادَ إِلَى الْفُنْدُقِ. كَانَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ فَرِحًا كَثِيرًا. أَرَادَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ أَنْ يُغَادِرَ بَغْدَادَ. تَذَكَّرَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ أَنَّ عَضُدَ الدَّوْلَةِ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَعُودَ إِلَيْهِ. قَالَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ لِنَفْسِهِ: مَاذَا يُرِيدُ؟ لَقَدْ حَصَلْتُ عَلَى الْعِقْدِ. لَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَشْكُرَ عَضُدَ الدَّوْلَةِ. ذَهَبَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ إِلَى عَضُدِ الدَّوْلَةِ وَشَكَرَهُ، وَحِينَمَا أَرَادَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ أَنْ يَغَادِرَ، مَنَعَهُ عَضُدُ الدَّوْلَةِ. أَخَذَ الْحُرَّاسُ الشَّيْخَ الْغَرِيبَ إِلَى غُرْفَةٍ. جَلَسَ الشَّيْخُ الْغَرِيبُ خَائِفًا، وَسَأَلَ نَفْسَهُ: مَاذَا فَعَلْتُ؟
وَبَعْدَ مُدَّةٍ، أَخَذَهُ الْحُرَّاسُ إِلَى عَضُدِ الدَّوْلَةِ. وَبَعْدَ دَقَائِقَ، دَخَلَ الْحُرَّاسُ يَسْحَبُونَ أَبَا سَعِيدٍ الْعَطَّارَ. سَأَلَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ الْعَطَّارَ: وَضَعَ هَذَا الشَّيْخُ عِنْدَكَ عِقْدًا مِنَ اللُّؤْلُؤِ قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى الْحَجِّ. وَعِنْدَمَا عَادَ، لَمْ تُعْطِهِ الْأَمَانَةَ. وَبَعْدَ أَنْ رَأَيْتَنِي أُكَلِّمُهُ، ظَنَنْتَ أَنَّهُ يَعْرِفُنِي؛ فَأَعْطَيْتَهُ الْأَمَانَةَ.
كَانَ الْحُرَّاسُ قَدْ ضَرَبُوا أَبَا سَعِيدٍ مِنْ قَبْلُ. أَجَابَ أَبُو سَعِيدٍ بَاكِيًا: نَعَمْ. لَقَدْ أَعْطَيْتُهُ أَمَانَتَهُ.
قَالَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ: لَكِنَّكَ أَرَدْتَ الْخِيَانَةَ.
هَزَّ أَبُو سَعِيدٍ رَأْسَهُ، وَهُوَ يَبْكِي. فَقَالَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ: سَوْفَ تُعَاقَبُ!
وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي، صُلُبَ أَبُو سَعِيدٍ الْعَطَّارُ عَلَى بَابِ دُكَّانِهِ، وَكَانَ حَوْلَ رَقَبَتِهِ عِقْدُ اللُّؤْلُؤِ. وَصَاحَ مُنَادٍ: هَذَا جَزَاءُ خِيَانَةِ الْأَمَانَةِ. وَبَقَيَ أَبُو سَعِيدٍ الْعَطَّارُ مَصْلُوبًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.