This story has been taken from Brothers Grimm’s Folk Tales Collections. To make it more interesting, we have elaborated upon it in order to depict the characters’ emotions and give it more meaning and humanity. For every behavior of theirs, we gave a reason to rid the story of ambiguity and simplicity that is common in folktales. The story is meant for learners of Arabic as an additional language. We have fully vowelized it to make it more readable and comprehensible. Additionally, sentence structures are tailored for non-Arab learners of Arabic. This Arabic story is suitable for intermediate and/or upper-intermediate learners.
فِي إِحْدَى الْقُرَى، عَاشَتْ أَرْمَلَةٌ وَاِبْنَتُهَا الْجَمِيلَةُ. كَانَ الْجَمِيعُ يَمْدَحُ جَمَالَ الْبِنْتِ؛ لَكِنَّهُم لَمْ يَعْرِفُوا شَيْئًا عَنْ كَسَلِهَا. كَانَ بَيْتُ الْأَرْمَلَةِ بَعِيدًا عَنْ بِيُوتِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ يَسْمَعُ أَحَدٌ الْأَرْمَلَةَ حِينَ تَصْرُخُ بِسَبَبِ كَسَلِ اِبْنَتِهَا. كَانَتِ الْبِنْتُ تَرْفُضُ أَنْ تَعْمَلَ أَيَّ شَيْءٍ فِي الْبَيْتِ، وَكَانَتِ الْأُمُّ تُوَبِّخُهَا وَتَضْرِبُهَا دَائِمًا بِسَبَبِ ذَلِكَ.
وَفِي يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ، خَرَجَتِ الْمَلِكَةُ فِي زِيَارَةٍ حَوْلَ الْمَمْلَكَةِ. كَانَتِ الْمَلِكَةُ تُرِيدُ أَنْ تَبْحَثَ عَنْ عَرُوسٍ لِاِبْنِهَا؛ وَلِذَلِكَ كَانَتْ تَذْهَبُ إِلَى كُلِّ بَيْتٍ فِي الْمَمْلَكَةِ. وَفِي إِحْدَى الْقُرَى، خَرَجَتِ الْمَلِكَةُ مِنْ عَرَبَتِهَا بَعْدَ أَنْ زَارَتْ كُلَّ بِيُوتِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ. وَقَفَتِ الْمَلِكَةُ حَزِينَةً، فَاِقْتَرَبَتْ وَصِيفَتُهَا مِنْهَا، وَقَالَتْ: لِمَاذَا أَنْتِ حَزِينَةٌ، يَا مَوْلَاتِي؟
أَجَابَتِ الْمَلِكَةُ: لَمْ أَجِدْ فَتَاةً مُنَاسِبَةً لِاِبْنِي فِي الْمَمْلَكَةِ كُلِّهَا.
قَالَتِ الْوَصِيفَةُ: لَكِنَّنِي رَأَيْتُ الْكَثِيرَ مِنَ الْبَنَاتِ الْجَمِيلَاتِ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ.
قَالَتِ الْمَلِكَةُ: لَكِنَّنِي لَا أَبْحَثُ عَنِ الْجَمَالِ! أَنَا أَبْحَثُ عَنْ بِنْتٍ نَشِيطَةٍ وَمَاهِرَةٍ فِي كُلِّ الْأَعْمَالِ!
قَالَتِ الْوَصِيفَةُ: لَقَدْ رَأَيْنَا بَنَاتٍ نَشِيطَاتٍ أَيْضًا. أَنَا لَا أَفْهَمُ، يَا مَوْلَاتِي!
تَنَهَّدَتِ الْمَلِكَةُ، وَقَالَتْ: كُلُّ الْبَنَاتِ النَّشِّيطَاتِ يَقُمْنَ بِمَا تَأْمُرُهُنَّ بِهِ أُمَّهَاتُهُنَّ. جَمِيعُ الْبَنَاتِ يَنْتَظِرْنَ الرَّاحَةَ؛ وَلِذَلِكَ يَقُمْنَ بِعَمَلِهِنَّ سَرِيعًا. أَنَا أُرِيدُ فَتَاةً تُرِيدُ أَنْ تَعْمَلَ طَوَالَ الْيَوْمِ؛ لِأَنَّهَا تَكْرَهُ الرَّاحَةَ وَالْكَسَلَ.
تَعَجَّبَتِ الْوَصِيفَةُ، لَكِنَّهَا لَمْ تَنْبِسْ بِبِنْتِ شَفَةٍ. تَنَهَّدَتِ الْمَلِكَةُ مَرَّةً أُخْرَى، وَاِلْتَفَتَتْ كَيْ تَعُودَ إِلَى الْعَرَبَةِ قَائِلَةً: يَبْدُو أَنَّنِي سَأَبْحَثُ عَنْ زَوْجَةٍ لِابْنِي فِي مَمْلَكَةٍ أُخْرَى!
وَقَبْلَ أَنْ تَصْعَدَ الْعَرَبَةَ، رَأَتْ مَنْزِلًا بَعِيدًا. كَانَ الْمَنْزِلُ صَغِيرًا وَجَمِيلًا، فَسَأَلَتِ الْمَلِكَةُ وَصِيفَتَهَا: هَلْ ذَهَبْنَا إِلَى ذَلِكَ الْمَنْزِلِ؟
أَجَابَتِ الْوَصِيفَةُ بِلَا، فَأَمَرَتِ الْمَلِكَةُ الْحُوذِيَّ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى ذَلِكَ الْمَنْزِلِ. أَمَرَتِ الْمَلِكَةُ الْحُوذِيَّ أَنْ يَتَوَقَّفَ بَعِيدًا عَنِ الْبَيْتِ، ثُمَّ تَرَجَّلَتْ هِيَ وَوَصِيفَتُهَا، وَمَشَتَا مَعًا نَحْوَ الْبَيْتِ. وَحِينَ اِقْتَرَبَتَا مِنَ الْبَيْتِ، سَمِعَتَا بُكَاءً عَالِيًا.
طَرَقَتِ الْوَصِيفَةُ الْبَابَ، فَفَتَحَتِ الْأُمُّ الْأَرْمَلَةُ، وَهِيَ عَابِسَةٌ. وَحِينَ رَأَتِ الْأُمُّ الْمَلِكَةَ، شَهَقَتْ فَزِعَةً. كَانَتِ الْأُمُّ قَدْ سَمِعَتْ كَلَامَ النَّاسِ عَنْ بَحْثِ الْمَلِكَةِ؛ لَكِنَّهَا لَمْ تَتَخَيَّلْ أَنْ تَأْتِيَ الْمَلِكَةُ إِلَى بَيْتِهَا. رَحَّبَتِ الْأُمُّ بِالْمَلِكَةِ، وَدَعَتْهَا إِلَى الدَّاخِلِ.
وَحِينَ دَخَلَتِ الْمَلِكَةُ، رَأَتْ فَتَاةً تَبْكِي بِصَوْتٍ عَالٍ، وَهِيَ تَضَعُ رَأْسَهَا عَلَى رُكْبَتَيْهَا. سَأَلَتِ الْمَلِكَةُ الْفَتَاةَ عَنْ سَبَبِ بُكَائِهَا؛ لَكِنَّ الْفَتَاةَ ظَلَّتْ تَبْكِي دُونَ أَنْ تَرْفَعَ رَأْسَهَا. شَعَرَتِ الْأُمُّ بِالْخَجَلِ الشَّدِيدِ، وَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَقُولَ الْحَقِيقَةَ لِلْمَلِكَةِ. قَالَتْ الْأُمُّ لِلْمَلِكَةِ: إِنَّ اِبْنَتِي تُحِبُّ الْغَزْلَ كَثِيرًا، وَتُرِيدُ أَنْ تَغْزِلَ طَوَالَ الْيَوْمِ؛ لَكِنَّنِي أَرْمَلَةٌ فَقِيرَةٌ، وَلَا أَمْلِكُ مَالًا كَيْ أَشْتَرِي لَهَا الْكَتَّانَ.
شَعَرَتِ الْمَلِكَةُ بِالدَّهْشَةِ، وَقَالَتْ: هَلْ تَبْكِي هَذِهِ الْبِنْتُ؛ لِأَنَّهَا تُرِيدُ أَنْ تَعْمَلَ؟
بَلَعَتِ الْأُمُّ رِيقَهَا، وَأَجَابَتْ: نَعَمْ، يَا مَوْلَاتِي! إِنَّهَا تَبْكِي كُلَّ يَوْمٍ هَكَذَا؛ لِأَنَّهَا تُرِيدُ أَنْ تَعْمَلَ. إِنَّهَا تَشْتَكِي أَيْضًا؛ لِأَنَّنَا لَا نَمْلِكُ أَرْضًا كَيْ نَزْرَعَهَا، أَوْ عَمَلًا ثَابِتًا. هَذِهِ الْبِنْتُ تُحِبُّ الْعَمَلَ مِثْلَ أَبِيهَا! لَقَدْ مَاتَ أَبُوهَا؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ إِلَى عَمَلِهِ، وَهُوَ مَرِيضٌ.
تَذَكَّرَتِ الْأَرْمَلَةُ زَوْجَهَا، فَبَكَتْ. نَظَرَتِ الْوَصِيفَةُ إِلَى الْفَتَاةِ، فَرَأَتْ أَنَّهَا قَدْ تَوَقَّفَتْ عَنِ الْبُكَاءِ. كَانَتِ الْفَتَاةُ تَنْظُرُ إِلَى أُمِّهَا، وَعَيْنَاهَا مُتَّسِعَتَانِ؛ لَكِنَّهَا لَمْ تَتَكَلَّمْ. اِلْتَفَتَتِ الْوَصِيفَةُ إِلَى الْمَلِكَةِ، فَرَأَتْهَا بَاسِمَةً. اِقْتَرَبَتِ الْمَلِكَةُ مِنَ الْأُمِّ، وَرَبَّتَتْ عَلَى كَتِفِهَا. وَحِينَ رَفَعَتِ الْأُمُّ رَأْسَهَا، قَالَتِ الْمَلِكَةُ: أَتَعْلَمِينَ أَنَّي أَبْحَثُ عَنْ بِنْتٍ نَشِيطَةٍ؟ أَبْحَثُ عَنْ اِبْنَتِكِ! لَقَدْ كُنْتُ يَائِسَةً قَبْلَ دَقَائِقَ فَقَطْ!
اِرْتَبَكَتِ الْأُمُّ، وَقَالَتْ: مَاذَا تَقْصِدِينَ، يَا مَوْلَاتِي؟
ظَلَّتِ الْمَلِكَةُ تَنْظُرُ إِلَى الْفَتَاةِ الصَّامِتَةِ، فَقَالَتِ الْوَصِيفَةُ: مَوْلَاتِي الْمَلِكَةُ تَبْحَثُ عَنْ عَرْوسٍ لِسُمُوِ الْأَمِيرِ. وَلِأَنَّ الْأَمِيرَ سَيَكُونُ مَلِكًا يَوْمًا مَا، تُرِيدُ مَوْلَاتِي الْمَلِكَةُ أَنْ تَجِدَ لَهُ عَرُوسًا نَشِيطَةً وَقَوِيَّةً. إِذَا كَانَتِ الْعَرُوسُ كَسُولَةً وَغَبِيَّةً، فَلَنْ تَسْتَطِيعَ أَنْ تُسَاعِدَ الْأَمِيرَ فِي الْأَزَمَاتِ!
اِقْتَرَبَتِ الْمَلِكَةُ مِنَ الْفَتَاةِ، وَجَلَسَتْ أَمَامَهَا عَلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ قَالَتْ: هَلْ تَعْلَمِينَ، يَا عَزِيزَتِي، مَا هُوَ أَفْضَلُ صَوْتٍ عِنْدِي؟
اِرْتَبَكَتِ الْفَتَاةُ، وَنَظَرَتْ إِلَى أُمِّهَا الشَّاحِبَةِ، ثُمَّ عَادَتْ تَنْظُرُ إِلَى الْمَلِكَةِ. نَظَرَتِ الْبِنْتُ إِلَى يَدَيْهَا، وَقَالَتْ: لَا، يَا مَوْلَاتِي.
قَالَتِ الْمَلِكَةُ: أَفْضَلُ صَوْتٍ عِنْدِي هُوَ صَوْتُ آلَةِ الْغَزْلِ! وَأَفْضَلُ مَنْظَرٍ عِنْدِي هُوَ مَنْظَرُ دَوَالِيبِ الْغَزْلِ حِينَ تَدُورُ! هَلْ تُحِبِّينَ الْغَزْلَ؟
رَفَعَتِ الْفَتَاةُ بَصَرَهَا إِلَى الْمَلِكَةِ السَّعِيدَةِ، ثُمَّ إِلَى أُمِّهَا الشَّاحِبَةِ الْمُرْتَبِكَةِ، ثُمَّ إِلَى الْوَصِيفَةِ الْجَامِدَةِ. اِبْتَلَعَتِ الْفَتَاةُ رِيقَهَا، وَأَجَابَتْ: نَعْم! أُحِّبُّ الْغَزْلَ كَثِيرًا!
ضَحِكَتِ الْمَلِكَةُ مَسْرُورَةً، وَقَالَتْ: هَذَا يَوْمُ سَعْدِي! تَعَالَي مَعِي إِلَى الْقَصْرِ، وَسَوْفَ تَغْزِلِينَ طَوَالَ الْيَوْمِ! سَوْفَ تَجِدِينَ جِبَالًا مِنَ الكَتَّانِ!
اِلْتَفَتَتِ الْمَلِكَةُ إِلَى الْأُمِّ، وَسَأَلَتْهَا إِنْ كَانَتْ مُوَافِقَةً. هَزَّتِ الْأُمُّ رَأْسَهَا، وَقَالَتْ: طَبْعًا! طَبْعًا! لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقُولَ لَا لِمَلِكَةِ الْبِلَادِ! اِسْمَحِي لِي أَنْ أُوَدِّعَ اِبْنَتِي، يَا مَوْلَاتِي، وَأَنْ أُحَضِّرَ لَهَا أَمْتِعَتَهَا!
اِبْتَسَمَتِ الْمَلِكَةُ، وَقَالَتْ: سَنَنْتَظِرُكِ فِي الْعَرَبَةِ، أَيَّتُهَا النَّشِيطَةُ!
وَحِينَ خَرَجَتِ الْمَلِكَةُ وَوَصِيفَتُهَا، اِلْتَفَتَتِ الْأُمُّ عَابِسَةً إِلَى اِبْنَتِهَا. وَقَبْلَ أَنْ تَتَكَلَّمَ الْأُمُّ، قَالَتِ الْبِنْتُ: هَذِهِ أَكْبَرُ كِذْبَةٍ فِي الْعَالَمِ، يَا أُمِّي! أَنَا كَسُولَةٌ مِثْلُ أَبِي، وَأَبِي قَدْ مَاتَ بِسَبَبِ الْجُوعِ! أَنْتِ النَّشِيطَةُ هُنَا! يَجْدُرُ بِالْمَلِكَةِ أَنْ تَأْخُذَكِ أَنْتِ!
تَنَهَّدَتِ الْأُمُّ وَجَلَسَتْ قَائِلَةً: سَوْفَ تَأْخُذُكِ، وَسَوْفَ تَنْكَشِفُ كِذْبَتِي! وَهَذِهِ الْفَضِيحَةُ عِقَابِي!
وَقَفَتِ الْفَتَاةُ مُسْتَغْرِبَةً، وَقَالَتْ: أَلَنْ تَغْضَبِي؟ أَلَنْ تَضْرِبِينِي؟ أَلَنْ تُهَدِّدِينِي بِالضَّرْبِ إِنْ كَشَفَتِ الْمَلِكَةُ الْحَقِيقَةَ؟
رَفَعَتِ الْأُمُّ رَأْسَهَا إِلَى اِبْنَتِهَا، وَقَالَتْ: رُبَّمَا هَذِهِ فُرْصَةٌ جَيِّدَةٌ لَكِ! لَنْ أُوصِيَكِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّكِ سَتَرَيْنَ حَيَاةً مُخْتَلِفَةً فِي الْقَصْرِ، وَلَنْ تَرْغَبِي فِي الْعَوْدَةِ إِلَى هُنَا.
ظَلَّتِ الْفَتَاةُ تَنْظُرُ إِلَى أُمِّهَا مُسْتَغْرِبَةً؛ لَكِنَّ الْأُمَّ وَقَفَتْ صَامِتَةً، وَرَتَّبَتْ بَعْضَ ثِيَابِ اِبْنَتِهَا فِي حَقِيبَةٍ، وَوَضَعَتْ لَهَا طَعَامًا. عَانَقَتِ الْأُمُّ اِبْنَتَهَا، وَقَالَتْ: أُرِيدُ أَنْ أَنْصَحَكِ نَصِيحَةً وَاحِدَةً فَقَطْ! تَوَقَّفِي عَنِ الْبُكَاءِ بِصَوْتٍ عَالٍ!
تَرَكَتِ الْأُمُّ اِبْنَتَهَا وَذَهَبَتْ إِلَى غُرْفَتِهَا. ظَلَّتِ الْفَتَاةُ تَنْظُرُ إِلَى بَابِ غُرْفَةِ أُمِّهَا طَوِيلًا، ثُمَّ تَنَهَّدَتْ، وَحَمَلَتْ حَقِيبَتَهَا، وَغَادَرَتْ. وَفِي الطَّرِيقِ إِلَى الْقَصْرِ، ظَلَّتِ الْفَتَاةُ تَنْظُرُ حَوْلَهَا مُنْدَهِشَةً. كَانَ الْعَالَمُ كَبِيرًا جِدًّا، وَكَانَ عَقْلُهَا صَغِيرًا. ظَلَّتِ الْفَتَاةُ تَسْتَمِعُ إِلَى كَلَامِ الْمَلِكَةِ صَامِتَةً، وَهِيَ مُتَعَجِّبَةٌ وَسَعِيدَةٌ. كَانَتِ الْمَلِكَةُ اِمْرَأَةً جَمِيلَةً وَحَكِيمَةً، وَلَمْ تَكُنْ هِيَ تُحْسِنُ شَيْئًا.
وَحِينَ تَوَقَّفَتِ الْعَرَبَةُ، طَلَبَتِ الْمَلِكَةُ مِنَ الْفَتَاةِ أَنْ تَتْبَعَهَا. قَالَتِ الْمَلِكَةُ: كُنْتُ أَنْوِي أَنْ أُؤَجِّلَ هَذَا إِلَى الْغَدِ؛ لَكِنَّكِ فَتَاةٌ نَشِيطَةٌ، وَلَا أَظُنُّ أَنَّكِ سَوْفَ تَسْتَطِيعِينَ النَّوْمَ دُونَ أَنْ تَعْمَلِي قَلِيلًا، صَحِيح؟
هَزَّتِ الْفَتَاةُ رَأْسَهَا مُرْتَبِكَةً؛ فَاِبْتَسَمَتِ الْمَلِكَةُ مَسْرُورَةً. تَوَقَّفَتِ الْمَلِكَةُ أَمَامَ بَابٍ كَبِيرٍ، وَدَفَعَتْهُ، ثُمَّ دَخَلَتْ. دَخَلَتِ الْفَتَاةُ أَيْضًا، فَرَأَتْ غُرْفَةً وَاسِعَةً مَلِيئَةً بِالكَتَّانِ. لَمْ يَكُنْ فِي الْمَكَانِ مَسَاحَةٌ فَارِغَةٌ إِلَّا لِآلَةِ الْغَزْلِ؛ فَشَعَرَتِ الْفَتَاةُ بِالْخَوْفِ وَالدُّوَارِ. كَانَتِ الْفَتَاةُ مُتْعَبَةً مِنَ السَّفَرِ، وَكَانَتْ خَائِفَةً مِنْ تَوَقُّعَاتِ الْمَلِكَةِ، وَكَانَتْ مَرْعُوبَةً مِنْ اِنْكِشَافِ حَقِيقَتِهَا.
قَالَتِ الْمَلِكَةُ: هَذَا الْمَبْنَى بَعِيدٌ عَنِ الْقَصْرِ، وَلَا يَقْتَرِبُ مِنْهُ أَحَدٌ؛ لِذَلِكَ لَنْ يُزْعِجَكِ أَحَدٌ أَثْنَاءَ عَمَلِكِ! أَنْتِ تُحِبِّينَ الْعَمَلَ فِي جَوٍّ هَادِئٍ، صَحِيح؟
هَزَّتِ الْفَتَاةُ رَأْسَهَا، فَقَالَتِ الْمَلِكَةُ: اِغْزِلِي هَذَا الكَتَّانَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَسَوْفَ أُزَوِّجُكِ اِبْنِيَ وَلِيَّ الْعَهْدِ. أَنَا أَتُوقُ إِلَى رُؤْيَةِ عَمَلِكِ، أَيَّتُهَا النَّشِيطَةُ.
غَادَرَتِ الْمَلِكَةُ مَسْرُورَةً، فَرَكَضَتِ الْفَتَاةُ نَحْوَ النَّافِذَةِ، وَنَظَرَتْ مِنْهَا. رَأَتِ الْفَتَاةُ الْمَلِكَةَ تَسِيرُ بَاسِمَةً، وَهِيَ تُكَلِّمُ وَصِيفَتَهَا. وَبَعْدَ أَنْ صَعَدَتَا الْعَرَبَةَ، وَغَادَرَتَا، لَمْ تَرَ الْفَتَاةُ أَحَدًا حَوْلَ الْبِنَاءِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ. سَمِعَتِ الْفَتَاةُ صَوْتَ الرِّيحِ، وسَمِعَتْ أَصْوَاتًا خَافِتَةً غَرِيبَةً، وَرَأَتْ آلَةَ الْغَزْلِ، وَرَأَتْ أَكْوَامَ الْكَتَّانِ. كَانَ الْمَكَانُ مُرْهِقًا وَمُخِيفًا، فَصَاحَتِ الْفَتَاةُ: هَذِهِ هِيَ الْجَحِيمُ! مَا الشَّيْءُ الَّذِي قَالَتْ أُمِّي إِنِّي لَنْ أَسْتَطِيعَ أَنْ أَتَخَلَّى عَنْهُ؟!
رَتَّبَتِ الْفَتَاةُ بَعْضَ الكَتَّانِ، وَاِسْتَلْقَتْ عَلَيْهِ. ظَلَّتِ الْفَتَاةُ نَائِمَةً يَوْمًا كَامِلًا. وَحِينَ اِسْتَيْقَظَتْ، رَأَتْ سَلَّةَ طَعَامٍ، وَدَاخِلَهَا وَرَقَةٌ. فَتَحَتِ الْفَتَاةُ الْوَرَقَةَ، ثُمَّ قَرَأَتْهَا.
(مِنْ مَلِكَةِ الْمَمْلَكَةِ الْعَظِيمَةِ إِلَى الْفَتَاةِ النَّشِيطَةِ.
هَذَا الطَّعَامُ سَوْفَ يَكْفِيكِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، رَغْمَ أَنِّي أَظُنُّ أَنَّكِ سَتَكُونِينَ مُنْشَغِلَةً بِالْعَمَلِ، وَلَنْ تَتَذَكَّرِي أَوْقَاتَ الطَّعَامِ.
أَظُنُّ أَنَّكِ قَدْ أَنْهَيْتِ نِصْفَ الكَتَّانِ الْآنِ!)
صَاحَتِ الْفَتَاةُ مُسْتَاءَةً، ثُمَّ أَخَذَتْ تَبْكِي بِصَوْتٍ عَالٍ. وَبَعْدَ مُدَّةٍ، نَامَتِ الْفَتَاةُ نَوْمًا عَمِيقًا. وَحِينَ اِسْتَيْقَظَتِ الْفَتَاةُ، كَانَتِ السَّمَاءُ مُظْلِمَةً، وَكَانَ الْقَمَرُ سَاطِعًا. نَظَرَتِ الْفَتَاةُ إِلَى الْقَمَرِ طَوِيلًا، ثُمَّ أَخَذَتْ تَبْكِي بِصَوْتٍ عَالٍ.
وَبَعْدَ أَنْ مَرَّتْ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، ذَهَبَتِ الْمَلِكَةُ كَيْ تَرَى الْفَتَاةَ النَّشِيطَةَ. وَحِينَ وَصَلَتِ الْمَلِكَةُ إِلَى الْبِنَاءِ، كَانَتْ مَسْرُورَةً؛ لَكِنَّهَا أُصِيبَتْ بِالصَّدْمَةِ وَالْخَيْبَةِ حِينَ فَتَحَتِ الْغُرْفَةَ الْكَبِيرَةَ. كَانَتِ الْفَتَاةُ تَبْكِي تَحْتَ النَّافِذَةِ، وَكَانَتْ آلَةُ الْغَزْلِ جَامِدَةً وَبَارِدَةً، وَكَانَتْ أَكْوَامُ الْكَتَّانِ صَامِتَةً. كَانَ كُلُّ شَيْءٍ فِي الْغُرْفَةِ بَارِدًا وَكَسُولًا، وَلَمْ تَسْتَطِعِ الْمَلِكَةُ أَنْ تَسْتَوْعِبَ شَيْئًا.
شَعَرَتِ الْوَصِيفَةُ بِصَدْمَةِ الْمَلِكَةِ، فَاِقْتَرَبَتْ مِنَ الْفَتَاةِ وَنَادَتْهَا. وَحِينَ سَمِعَتِ الْفَتَاةُ النِّدَاءَ، وَقَفَتْ خَائِفَةً مُرْتَعِبَةً. ضَمَّتِ الْفَتَاةُ كَفَّيْهَا، وَنَظَرَتْ إِلَى قَدَمَيْهَا. سَأَلَتِ الْوَصِيفَةُ الْفَتَاةَ: لِمَاذَا لَمْ تَفْعَلِي شَيْئًا حَتَّى الْآنَ؟ لَقَدْ مَرَّتْ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ! هَلْ كَانَتْ أُمُّكِ تَكْذِبُ عَلَى جَلَالَةِ الْمَلِكَةِ؟!
اِرْتَجَفَتِ الْفَتَاةُ، وَأَجَابَتْ: كَلَّا! كَلَّا! لَمْ تَكُنْ أُمِّي تَكْذِبُ!
قَالَتِ الْوَصِيفَةُ: وَلِمَاذَا لَمْ تَعْمَلِي شَيْئًا؟ أَنْتِ كَسُولَةٌ وَكَاذِبَةٌ!
أَغْمَضَتِ الْفَتَاةُ عَيْنَيْهَا، وَقَالَتْ: لَا! لَا! أَنَا لَسْتُ كَاذِبَةً! أَنَا… أَنَا حَزِينَةٌ… أَجَلْ! أَنَا حَزِينَةٌ بِسَبَبِ فُرَاقِ أُمِّي! أَنَا لَمْ أَعْتَدْ هَذَا الْمَكَان، يَا مَوْلَاتِي!
نَظَرَتِ الْفَتَاةُ إِلَى الْمَلِكَةِ مُتَوَسِّلَةً، فَاِلْتَفَتَتِ الْوَصِيفَةُ إِلَى الْمَلِكَةِ، وَقَالَتْ: يَبْدُو هَذَا صَحِيحًا، يَا مَوْلَاتِي! إِنَّ عَيْنَيْهَا مُتَوَرِّمَتَانِ بِسَبَبِ كَثْرَةِ الْبُكَاءِ! رُبَّمَا كَانَ يَجِبُ أَنْ تَتْرُكِيهَا تَرْتَاحُ قَبْلَ هَذَا الْعَمَلِ!
عَبَسَتِ الْمَلِكَةُ، وَقَالَتْ: هَلْ كُنْتِ تَبْكِينَ لِأَنَّكِ مُشْتَاقَةٌ إِلَى أُمِّكِ؟
هَزَّتِ الْفَتَاةُ رَأْسَهَا، فَتَنَهَّدَتِ الْمَلِكَةُ مُسْتَاءَةً. خَافَتِ الْفَتَاةُ، فَقَالَتْ: لَكِنَّنِي أَصْبَحْتُ بِخَيْرٍ الْآنَ! أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقُومَ بِعَمَلِي!
ظَلَّتِ الْمَلِكَةُ عَابِسَةً، فَنَظَرَتِ الْوَصِيفَةُ إِلَيْهَا طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَتْ: يَجِبُ أَنْ تُعَاقِبِيهَا؛ لِأَنَّهَا أَهْمَلَتْ عَمَلَهَا فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ الْمَاضِيَةِ.
نَظَرَتِ الْفَتَاةُ إِلَى الْوَصِيفَةِ مَفْزُوعَةً، وَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَتَكَلَّمَ. قَالَتِ الْمَلِكَةُ: كُنْتُ أَنْوِي أَنْ أَتَحَقَّقَ إِنْ كَانَتْ أُمُّهَا تَكْذِبُ… رُبَّمَا يَجِبُ أَنْ أُعْطِيَهَا فُرْصَةً أُخْرَى.
هَزَّتِ الْوَصِيفَةُ رَأْسَهَا مُوافِقَةً، فَقَالَتِ الْمَلِكَةُ: اِسْمَعِي، أَيَّتُهَا الْفَتَاةُ الْبَكَّاءَةُ! سَوْفَ تُنْهِينَ هَذَا فِي يَوْمَيْنِ، وَسَوْفَ تَغْزِلِينَ كَتَّانًا آخَرَ وَآخَرَ! يَجِبُ أَنْ تُثْبِتِي أَنَّكِ لَسْتِ كَاذِبَةً، هَلْ تَفْهَمِينَ؟
وَقَبْلَ أَنْ تُجِيبَ الْفَتَاةُ، غَادَرَتِ الْمَلِكَةُ غَاضِبَةً. اِلْتَفَتَتِ الْوَصِيفَةُ إِلَى الْفَتَاةِ، وَقَالَتْ: يَجِبُ أَنْ تَجِدِي حَلًّا لِهَذَا! الْمَلِكَةُ قَاسِيَةٌ جِدًّا، وَلَنْ تَرْحَمَكِ! هِيَ لَا تَسْمَعُ كَلَامَ أَحَدٍ إِلَّا اِبْنَهَا؛ لَكِنَّهَا لَنْ تَسْمَحَ لَكِ بِمُقَابَلَةِ اِبْنِهَا إِلَّا بَعْدَ غَزْلِ هَذَا! يَجبُ أَنْ تَجِدِي حَلًّا!
ثُمَّ غَادَرَتِ الْوَصِيفَةُ رَاكِضَةً. رَاقَبَتِ الْفَتَاةُ الْعَرَبَةَ مِنَ النَّافِذَةِ حَتَّى اِخْتَفَتْ. تَنَهَّدَتِ الْفَتَاةُ، وَفَتَحَتِ النَّافِذَةُ، وقَالَتْ: هَذَا عِقَابٌ قَاسٍ، يَا أُمِّي! أَنَا لَا أَحْتَمِلُ!
أَخَذَتِ الْفَتَاةُ تَبْكِي بِصَوْتٍ عَالٍ، وَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَفْعَلَ شَيْئًا. وَبَعْدَ مُدَّةٍ، سَمِعَتِ الْفَتَاةُ نِدَاءً. كَانَ هُنَالِكَ صَوْتٌ يُنَادِيهَا: أَيَّتُهَا الْفَتَاةُ! يَا فَتَاةَ النَّافِذَةِ! أَيَّتُهَا الْبَكَّاءَةُ!
رَفَعَتِ الْفَتَاةُ يَدَيْهَا عَنْ عَيْنَيْهَا، وَنَظَرَتْ حَوْلَهَا، فَسَمِعَتِ الصَّوْتَ: فِي الْأَسْفَلِ!
نَظَرَتِ الْفَتَاةُ إِلَى الْأَسْفَلِ، فَرَأَتْ ثَلَاثَ نِسَاءٍ. سَأَلَتِ النِّسَاءُ الْفَتَاةَ عَنْ سَبَبِ بُكَائِهَا، فَأَخْبَرَتْهُنَّ بِكُلِّ شَيْءٍ.
ضَحِكَتِ النِّسَاءُ، وَقُلْنَ: أَنْتِ فَتَاةٌ مِسْكِينَةٌ؛ وَلِذَلِكَ سَوْفَ نُسَاعِدُكِ!
صَاحَتِ الْفَتَاةُ مُنْدَهِشَةً: حَقًّا؟ كَيْفَ؟ هَذَا الْعَمَلُ كَثِيرٌ، وَلَنْ تَسْتَطِعنَ أَنْ تُنْجِزْنَهُ فِي يَوْمَيْنِ!
قَالَتِ النِّسَاءُ: بَلْ سَوْفَ نُنْجِزُهُ فِي يَوْمٍ وَنِصْفٍ!
فَرِحَتِ الْفَتَاةُ وَأَدْخَلَتِ النِّسَاءَ إِلَى الْغُرْفَةِ. وَحِينَ جَلَسْنَ أَمَامَهَا، نَظَرَتْ إِلَيْهُنَّ مُسْتَغْرِبَةً. كَانَتْ قَدَمُ الْمَرْأَةِ الْأُولَى كَبِيرَةٌ كَأَنَّهَا قَدَمُ فِيلٍ. وَكَانَتْ شَفَتَا الْمَرْأَةِ الثَّانِيَةِ كَبِيرَتَيْنِ وَمُتَدَلِّيَتَيْنِ حَتَّى ذِقْنِهَا. وَكَانَتْ إِبْهَامُ الْمَرْأَةِ الثَّالِثَةِ كَبِيرَةً جِدًّا. وَرَغْمَ هَذَا، لَمْ تَسْأَلِ الْفَتَاةُ النِّسَاءَ عَنْ سَبَبِ مَظْهَرِهِنَّ.
قَالَتِ الْفَتَاةُ: مَاذَا تُرِدْنَ مُقَابِلَ هَذَا؟
أَجَابَتِ النِّسَاءُ: نُرِيدُ أَنْ نَحْضُرَ حَفْلَ زِفَافِكِ وَأَنْ نَجْلِسَ فِي طَاوِلَتِكِ! نُرِيدُ أَنْ لَا تَخْجَلِي مِنْ أَشْكَالِنَا، وَأَنْ تُخْبِرِي الْجَمِيعَ أَنَّنَا صَدِيقَاتُكِ! هَلْ سَتَفْعَلِينَ هَذَا؟
هَزَّتِ الْفَتَاةُ رَأْسَهَا بَاسِمَةً، فَقَالَتِ النِّسَاءُ: أَلَنْ تَخْجَلِي مِنْ أَشْكَالِنَا؟
أَجَابَتِ الْفَتَاةُ: لَنْ أَخْجَلَ! لَا يَدَ لَكُنَّ فِي أَشْكَالِكُنَّ!
اِبْتَسَمَتِ النِّسَاءُ، وَقُلْنَ: أَنْتِ فَتَاةٌ حَكِيمَةٌ.
بَدَأَتِ النِّسَاءُ الْعَمَلَ. كَانَتِ الْمَرْأَةُ الْأُولَى، تَسْحَبُ الْخَيْطَ، وَتَدُوسُ دَوَّاسَةَ آلَةِ الْغَزْلِ بِقَدَمِهَا. وَكَانَتِ الثَّانِيةُ تضَعُ الْخَيْطَ بَيْنَ شَفَتَيْهَا، وَتُبَلِّلُهُ بِلُعَابِهَا. وَكَانَتِ الثَّالِثَةُ تَأْخُذُ الْخَيْطَ، وَتَفْتِلُهُ بِإِبْهَامِهَا. كَانَتِ الْفَتَاةُ تُرَاقِبُ ذَلِكَ مُنْدَهِشَةً، وَكَانَتْ مَبْهُورَةً بِدِقَّةِ غَزْلِهِنَّ. عَمِلَتِ النِّسَاءُ فِي الْغَزْلِ طَوَالَ اللَّيْلِ، وَرَتَّبَتِ الْفَتَاةُ الْقُمَاشَ الْمَغْزُولَ فِي حُزَمٍ مُنَظَّمَةٍ. وَفِي ظُهْرِ الْيَوْمِ التَّالِي، أَنْهَتِ النِّسَاءُ غَزْلَ كُلِّ شَيْءٍ. وَبَعْدَ ذَلِكَ، جَلَسَتِ النِّسَاءُ مَعَ الْفَتَاةِ، وَتَنَاوَلْنَ الطَّعَامَ. كَانَتِ الْفَتَاةُ سَعِيدَةً بِحَدِيثِ النِّسَاءِ، وَكَانَتْ تَشْعُرُ بِاِمْتِنَانٍ كَبِيرٍ.
وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي، جَاءَتِ الْمَلِكَةُ وَوَصِيفَتُهَا. كَانَتِ الْوَصِيفَةُ تَتَوَقَّعُ فَشَلَ الْفَتَاةِ. وَبِسَبَبِ هَذَا، قَالَتْ لِلْمَلِكَةِ: أَنْتِ تَعْلَمِينَ، يَا مَوْلَاتِي، أَنَّكِ كَلَّفْتِهَا بِعَمَلٍ كَثِيرٍ!
لَكِنَّ الْمَلِكَةَ كَانَتْ عَابِسَةً، فَلَمْ تُجِبْ. وَحِينَ فَتَحَتِ الْمَلِكَةُ بَابَ الْغُرْفَةِ، أُصِيبَتْ بِالصَّدْمَةِ وَالدَّهْشَةِ. كَانَتِ الْفَتَاةُ وَاقِفَةً فِي مُنْتَصَفِ الْغُرْفَةِ، وَكَانَ كُلُّ شَيْءٍ مَغْزُولًا وَمُرَتَّبًا. كَانَتِ الْفَتَاةُ بَاسِمَةً، فَلَمْ تَسْتَطِعِ الْمَلِكَةُ أَنْ تَقُولَ شَيْئًا. وَبَعْدَ دَقَائِقَ طَوِيلَةٍ، اِبْتَسَمَتِ الْمَلِكَةُ، وَقَالَتْ لِوَصِيفَتِهَا: هَلْ تَرَيْنَ؟ لَقَدْ فَعَلَتِ الْمُسْتَحِيلَ! هَذِهِ هِيَ زَوْجَةُ اِبْنِيَ الْمُنَاسِبَةِ!
فَرِحَتِ الْوَصِيفَةُ، وَقَالَتْ: هَلْ آمُرُ بِإِعْلَانِ خَبَرِ الزِّفَافِ؟
اِلْتَفَتَتِ الْمَلِكَةُ عَابِسَةً، وَقَالَتْ: لَا! بَقِيَ أَمَامَهَا غُرْفَتَانِ قَبْلَ أَنْ أُوَافِقَ! تَعَالَي، أَيَّتُهَا الْفَتَاةُ النَّشِيطَةُ!
تَبِعَتِ الْفَتَاةُ الْمَلِكَةَ إِلَى غُرْفَةٍ أُخْرَى. كَانَتِ الْغُرْفَةُ مَلِيئَةً بِالكَتَّانِ مِثْلَ الْغُرْفَةِ السَّابِقَةِ؛ لَكِنَّ الفَتَاةَ لَمْ تَشْعُرْ بِالْفَزَعِ. كَانَتْ صَدِيقَاتُهَا الثَّلَاثُ يَنْتَظِرْنَ قَرِيبًا مِنَ الْبِنَاءِ. وَحِينَ غَادَرَتِ الْمَلِكَةُ، عَادَتِ الْصَّدِيْقَاتُ، وَأَخَذْنَ يَغْزِلْنَ الكَتَّانَ ضَاحِكَاتٍ. كَانَتِ الْفَتَاةُ مَسْرُورَةً بِالْعَمَلِ مَعَ صَدِيقَاتِهَا، فَقَالَتْ لَهُنَّ: أَظُنُّ أَنِي كُنْتُ كَسُولَةً؛ لِأَنِي لَمْ أَمْلِكْ صَدِيقَاتٍ، وَلَمْ أَعْرِفْ شَيْئًا عَنِ الْعَالَمِ.
قَالَتِ الْمَرْأَةُ الْأُولَى: لَقَدْ قُلْتِ إِنَّ بَيْتَكِ صَغِيرٌ، وَلَمْ تَكُنْ لَكِ أَنْتِ وَأُمُّكِ أَمْلَاكٌ؛ فَلِمَاذَا كَانَتْ تَصِفُكِ أُمُّكِ بالْكَسُولَةِ.
صَمَتَتِ الْفَتَاةُ مُتَعَجِبَةٌ، فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ الثَّانِيَةُ: لَمْ يَكُنْ لَدَيْكِ مَالٌ أَيْضًا كَيْ تَشْتَرِي آلَةَ غَزْلٍ، أَوْ تَشْتَرِي الْكَتَّانَ!
وَقَالَتِ الْمَرأَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْتِ فَتَاةٌ نَظِيفَةٌ وَمُرَتَّبَةٌ أَيْضًا. لَمْ يَكُنْ لَدَيْكِ عَمَلٌ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ الصَّغِيرِ! أَظُنُّ أَنَّ أُمَّكِ تُشْبِهُ الْمَلِكَةَ قَلِيلًا!
عَبَسَتِ الْفَتَاةُ مُتَعَجِّبَةً، وَقَالَتْ: هَلْ هَذَا يَعْنِي أَنِّي لَسْتُ كَسُولَةً، وَأَنَّ الْمَلِكَةَ وَأُمِّي اِمْرأَتَانِ غَيْرُ طَبِيعِيَّتَانِ!
ضَحِكَتِ النِّسَاءُ، ثُمَّ قَالَتْ إِحْدَاهُنَّ: أَنْتِ تَجْهَلِينَ الْعَالَمَ! هَذَا الْعَالَمُ مَلِيءٌ بِالْأَشْيَاءِ الْعَجِيبَةِ. إِذَا لَمْ تَكُنْ حَيَاةُ الْإِنْسَانِ مُتَوَازِنَةً، سَوْفَ يَفْسُدُ قَلْبُهُ، أَوْ عَقْلُهُ، أَوْ أَعْضَاؤُهُ! مِثْلَنَا!
أَشَارَتِ الْمَرْأَةُ الْأُولَى إِلَى قَدَمِهَا، وَأَشَارَتِ الثَّانِيَةُ إِلَى شَفَتَيْهَا، وَأَشَارَتِ الثَّالِثَةُ إِلَى إِبْهَامِهَا. قَالَتِ الْفَتَاةُ: أَنْتُنَّ أَكْثَرُ حِكْمَةً مِنَ الْمَلِكَةِ.
وَبَعْدَ يَوْمَينِ، جَاءَتِ الْمَلِكَةُ، وَتَفَحَّصَتِ الْغَزْلَ مَسْرُورَةً، ثُمَّ أَمَرَتِ الْفَتَاةَ أَنْ تَنْتَقِلَ إِلَى الْغُرْفَةِ الثَّالِثَةِ. وَحِينَ أَخَذَتِ النِّسَاءُ الثَّلاثُ يَعْمَلْنَ، أَخَذَتِ الْفَتَاةُ تُحَدِّثُهُنَّ عَنْ أَحْلَامِهَا. كَانَ لِلْفَتَاةِ أَحْلَامٌ كَثِيرَةٌ. قَالَتِ الْفَتَاةُ: أُرِيدُ أَنْ أَزْرَعَ الْوُرُودَ بِنَفْسِي. وَأُرِيدُ أَنْ أَقْرَأَ كَثِيرًا مِنَ الْكُتُبِ. وَأُرِيدُ أَنْ أُسَافِرَ إِلَى مُدِنٍ كَثِيرَةٍ. وَأُرِيدُ أَنْ أَعْرِفَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ! وَأُرِيدُ أَنْ أُسَاعِدَ الفُقَرَاءَ!
قَالَتِ الْمَرْأَةُ الْأُولَى: سَوْفَ تَسْتَطِيعِينَ تَحْقِيقَ أَحْلَامِكِ يَوْمًا مَا!
وَقَالَتِ الثَّانِيَةُ: الْفَتَاةُ الْكَسُولَةُ لَيْسَ لَدَيْهَا أَيَّةُ أَحْلَامٍ! أَنْتِ لَسْتِ كَسُولَةً. أَنْتِ لَمْ تَجِدِ فُرْصَةً كَيْ تُزْهِرِي.
وَقَالَتِ الثَّالِثَةُ: هَذَا يُشْبِهُ زِرَاعَةَ نَبْتَةٍ فِي أَرْضٍ قَاحِلَةٍ!
صَاحَتِ الْفَتَاةُ مَسْرُورَةً: أَنْتُنَّ صَدِيقَاتٌ رَائِعَاتٌ حَقًّا!
سَأَلَتِ النِّسَاءُ الْفَتَاةَ: أَلَنْ تَخْجَلِي مِنْ أَشْكَالِنَا في حَفْلِ زِفَافِكِ؟!
اِبْتَسَمَتِ الْفَتَاةُ، وَقَالَتْ: لَنْ أَخْجَلَ مِنْ صَدِيقَاتِي! هَذَا وَعْدٌ!
وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي، ذَكَّرَتِ النِّسَاءُ الْفَتَاةَ بِوَعْدِهَا، ثُمَّ غَادَرْنَ. وَحِينَ جَاءَتِ الْمَلِكَةُ، وَرَأَتْ حُزَمَ الكَتَّانِ، عَانَقَتِ الْفَتَاةَ، وَهِي تَضْحَكُ سَعِيدَةً، ثُمَّ أَخَذَتْهَا إِلَى الْقَصْرِ. قَابَلَتِ الْفَتَاةُ الْأَمِيرَ، فَأُعْجِبَ الْأَمِيرُ بِجَمَالِهَا، وَبِكَلَامِهَا الْمُهَذَّبِ، وَوَافَقَ عَلَى الزَّوَاجِ بِهَا. وَحِينَ أَخْبَرَتْهُ الْمَلِكَةُ عَنِ الثَّلَاثِ الْغُرَفِ، قَالَ مُنْدَهِشًا: هَلْ غَزَلْتِ كُلَّ تِلْكَ الْحُزَمِ؟ أَنْتِ زَوْجَةٌ بَارِعَةٌ حَقًّا!
مَدَحَ الْأَمِيرُ الْفَتَاةَ كَثِيرًا، وَظَلَّ يَتَأَمَّلُ حُزَمَ الكَتَّانِ مَبْهُورًا، وَأُمُّهُ الْمَلِكَةُ تَمْشِي قُرْبَهُ. كَانَتِ الْمَلِكَةُ تُشْرِفُ عَلَى تَنْظِيمِ حَفْلِ الزِّفَافِ، وَكَانَتْ سَعِيدَةً جِدًّا. وَكَانَ الْأَمِيرُ يَبْدُو أَكْثَرَ سَعَادَةً مِنْ أُمِّهِ. اِقْتَرَبَتِ الْفَتَاةُ مِنْ الْمَلِكَةِ وَالْأَمِيرِ، وَقَالَتْ: أُرِيدُ أَنْ أَطْلُبَ شَيْئًا، يَا مَوْلَاتِي! أَنَا أَمْلِكُ ثَلَاثَ صَدِيقَاتٍ عَزِيزَاتٍ، وَأُرِيدُ دَعْوَتَهُنَّ إِلَى حَفْلِ زِفَافِي. إِنَّنِي أَعْتَزُّ بِصَدَاقَتِهِنَّ كَثِيرًا، وَأُرِيدُ أَنْ يَجْلِسْنَ إِلَى طَاوِلَتِي فِي حَفْلِ الزِّفَافِ!
اِبْتَسَمَ الْأَمِيرُ وَالْمَلِكَةُ، وَوَافَقَا. قَالَ الْأَمِيرُ: أَنَا سَعِيدٌ أَنَّكِ تَعْتَزِّينَ بِصَدَاقَاتِكِ السَّابِقَةِ!
وَفِي يَوْمِ الزِّفَافِ، دَخَلَتِ النِّسَاءُ الثَّلَاثُ، وَاِقْتَرَبْنَ مِنَ الْفَتَاةِ. وَقَفَتِ الْفَتَاةُ وَعَانَقَتْهُنَّ عِنَاقًا حَارًّا. كَانَ الْأَمِيرُ وَاقِفًا خَلْفَ الْفَتَاةِ، وَكَانَ يَنْظُرُ إِلَى النِّسَاءِ مَصْدُومًا. صَاحَ الْأَمِيرُ: مَنْ هَؤُلَاءِ النِّسَاءُ الْقَبِيحَاتُ؟!
اِلْتَفَتَتِ الْفَتَاةُ إِلَى الْأَمِيرِ، وَقَالَتْ: هَؤُلَاءِ صَدِيقَاتِي، وَأَنَا أَعْتَزُّ بِهُنَّ، وَلَا أَهْتَمُّ بِمَظْهَرِهِنَّ!
اِبْتَسَمَتِ النِّسَاءُ الثَّلَاثُ، فَقَالَ الْأَمِيرُ لِعَرُوسِهِ: حَسَنًا! أَنَا سَعِيدٌ أَنَّكِ حَكِيمَةٌ وَنَبِيلَةُ الطَّبْعِ! لَكِنَّنِي أَمْلِكُ سُؤَالًا وَاحِدًا لَهُنَّ.
اِلْتَفَتَ الْأَمِيرُ إِلَى النِّسَاءِ الثَّلَاثِ، وَسَأَلَهُنَّ: مَاذَا جَرَى لَكُنَّ؟
أَجَابَتِ الْمَرْأَةُ الْأُوْلَى: لَقَدْ تَوَرَّمَتْ قَدَمِي هَكَذَا بِسَبَبِ الْغَزْلِ! أَنَا أَدُوسُ دَوَّاسَةَ الْغَزْلِ بِقَدَمِي هَذِهِ كُلَّ يَوْمٍ.
وَأَجَابَتِ الْمَرْأَةُ الثَّانِيَةُ: لَقَدْ تَوَرَّمَتْ شَفَتَايَ هَكَذَا بِسَبَبِ الْغَزْلِ! أَنَا أُبَلِّلُ خُيُوطَ الكَتَّانِ بِلُعَابِي كُلَّ يَوْمٍ.
وَأَجَابَتِ الْمَرْأَةُ الثَّالِثَةُ: لَقَدْ تَوَرَّمَتْ إِبْهَامِي هَكَذَا بِسَبَبِ الْغَزْلِ! أَنَا أَفْتِلُ خُيُوطَ الكَتَّانِ بِإِبْهَامِي هَذَا كُلَّ يَوْمٍ.
سَأَلَ الْأَمِيرُ مَصْدُومًا: هَلْ حَصَلَ لَكُنَّ هَذَا بِسَبَبِ الْغَزْلِ؟
هَزَّتِ النِّسَاءُ رُؤُوسَهُنَّ، فَصَاحَ الْأَمِيرُ: زَوْجَتِي الْجَمِيلَةُ لَنْ تَلْمِسَ آلَةَ الْغَزْلِ أَبَدًا!
ثُمَّ اِلْتَفَتَ إِلَى عَرُوسِهِ، وَقَالَ: لَنْ أَسْمَحَ لَكِ! هَلْ تَفْهَمِينَ؟ أَعْلَمُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الْعَمَلَ؛ لَكِنَّنِي لَنْ أَسْمَحَ لَكِ بِالْغَزْلِ! اِبْحَثِي عَنْ أَشْيَاءَ أُخْرَى كَيْ تَعْمَلِيهَا!
اِبْتَسَمَتِ الْفَتَاةُ، وَنَظَرَتْ إِلَى صَدِيقَاتِهَا، فَقُلْنَ: لَدَيْهَا أَحْلَامٌ كَثِيرَةٌ كَيْ تُحَقِّقَهَا!
الْأَمِيرَةُ وَالشَّحَّاذُ This story has been taken from Brothers Grimm’s Folk Tale Collections. To make…
فِي غَابَةِ الشَّيَطَانِ This Arabic story is for learners of Arabic as an additional language.…
حِذَاءُ الْبَخِيلِ This Arabic story is for learners of Arabic as an additional language. We…
الفلَّاحُ الْمَظْلُومُ This is an Arabic short story for beginners, namely for non-Arabs. It is…
الشَّيْخُ الْهِنْدِيُّ This Arabic story is for learners of Arabic as an additional language. We…
الْحَيَّةُ الْبَيْضَاءُ This story has been taken from Brothers Grimm’s Folk Tale Collections. To make…