Arabic Language

التَّاجِرُ مَرْمَرُ

التَّاجِرُ مَرْمَرُ

This Arabic story is for learners of Arabic as an additional language. We took it from a book written by Kamil Keilany, an Egyptian writer and a poet. The original text was written for native speakers of Arabic. To make it suitable for learners of Arabic as an additional language, we have abridged it, rephrased it in an elegant, flowing, and less complicated prose, and added to it our creative writing touch. Besides, we have fully vowelized it to make more readable and comprehensible. Additionally, sentence structures are tailored for non-Arab learners of Arabic. This Arabic story is suitable for upper-intermediate and low advanced learners.

فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ، عَاشَ فِي الصِّينِ تَاجِرٌ اِسْمُهُ مَرْمَرُ، وَكَانَ مُتَزَوِّجًا، وَعِنْدَهُ اِبْنٌ عُمْرُهُ سِتَّةُ أَعْوَامٍ. كَانَ الْاِبْنُ يُحِبُّ مُشَاهَدَةَ الْمِهْرَجَانَاتِ؛ فَكَانَ يَجْلِسُ أَمَامَ الْبَيْتِ، وَيُشَاهِدُ النَّاسَ يَمْشُونَ، وَهُمْ يُغَنُّونَ، وَيَضْرِبُونَ الطُّبُولَ، وَيَنْفُخُونَ فِي الْمَزَامِيرِ، وَيَرْقُصُونَ.

وَفِي يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ، كَانَ الْاِبْنُ فِي غُرْفَتِهِ عِنْدَمَا سَمِعَ غِنَاءً فِي الشَّارِعِ، فَرَكَضَ إِلَى النَّافِذَةِ، وَنَظَرَ مِنْهَا. رَأَى الْاِبْنُ مَوْكِبًا كَبِيرًا مَلِيئًا بِالْأَضْوَاءِ، وَالْمَلَابِسِ الْمُلَوَّنَةِ، وَالْمُهَرِّجِينَ، وَلَاعِبِيِ الْخِفَّةِ، وَالرَّاقِصِينَ، وَالْحَيَوَانَاتِ. تَحَمَّسَ الْاِبْنُ، وَأَخَذَ يُصَفِّقُ وَيُغَنِّي مَعَ الْمُغَنِّينَ. نَظَرَ الْمُغَنُّونَ إِلَيْهِ، وَاِبْتَسَمُوا، وَشَجَّعُوه؛ لَكِنَّهُم تَابَعُوا مَشْيَهُم. خَافَ الْاِبْنُ أَنْ يَخْتَفِيَ الْمَوْكِبُ وَيَنْتَهِيَ الْغِنَاءَ؛ فَخَرَجَ وَلَحِقَ بِالْمَوْكِبِ دُونَ أَنْ يُخْبِرَ أُمَّهُ وَأَبَاهُ.

مَشَى الْاِبْنُ مَعَ الْمَوْكِبِ طَوِيلًا، وَجَرَّبَ النَّفْخَ فِي الْمِزْمَارِ، وَضَرْبَ الطَّبْلِ، وَاللَّعِبَ بِالْأَضْوَاءِ؛ وَفِي اللَّيْلِ، سَاعَدَ فِي إِطْلَاقِ الْأَلْعَابِ النَّارِيَّةِ. وَعِنْدَمَا تَوَقَّفَ الْجَمِيعُ، اِنْتَبَهَ الْاِبْنُ إِلَى أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي مَكَانٍ لَا يَعْرِفُهُ؛ فَخَافَ وَبَحَثَ عَنْ بَيْتِهِ. سَارَ الْاِبْنُ طَوِيلًا، وَهُوَ يَنْظُرُ حَوْلَهُ؛ لَكِنَّهُ لَمْ يَعْرِفِ الطَّرِيقَ، وَلَمْ يَعْرِفْ أَحَدًا. نَادَى الْاِبْنُ أَبَاهُ وَأَمَّهُ طَوِيلًا؛ فَعَرَفَ النَّاسُ أَنَّهُ تَائِهٌ.

وَفِي الْبَيْتِ، اِنْتَبَهَتِ الْأُمُّ إِلَى غِيَابِ الاِبْنِ؛ فَخَرَجَتْ تَبْحَثُ عَنْهُ. وَبَعْدَ أَنْ عَادَ الْأَبُ مِنْ عَمَلِهِ، خَرَجَ وَفَتَّشَ عَنْهُ فِي كُلِّ شَارِعٍ، وَسَأَلَ كُلَّ الْجِيرَانِ؛ لَكِنَّ أَحَدًا لَمْ يَرَهُ. خَافَ الْأَبُ مَرْمَرُ عَلَى اِبْنِهِ، وَبَكَتِ الْأُمُّ طَوِيلًا. وَفِي كُلِّ يَوْمٍ كَانَا يَخْرُجَانِ كَيْ يُفَتِّشَا الشَّوَارِعَ؛ لَكِنَّهُمَا لَمْ يَعْثُرَا عَلَى اِبْنِهِمَا. عَرَفَ النَّاسُ أَنَّ الْاِبْنَ مَفْقُودٌ؛ فَوَاسَوْا الْوَالِدَيْنِ الْحَزِينَيْنِ؛ لَكِنَّ الْجَمِيعَ نَسِيَ حُزْنَهُمَا بَعْدَ شُهُورٍ.

خَسِرَ الْأَبُ مَرْمَرُ الْكَثِيرَ مِنَ النُّقُودِ، فَقَالَ لِزَوْجَتِهِ: كَانَ اِبْنُنَا سَعَادَتَنَا الْوَحِيدَةَ، وَالْآنَ خَسِرْنَاهُ. وَأَثْنَاءَ الْبَحْثِ عَنْهُ، خَسِرْنَا مَالَنَا. إِذَا بَقِينَا فِي هَذَا الْحُزْنِ، فَسَوْفَ نَخْسَرُ حَيَاتَنَا أَيْضًا!

نَظَرَتِ الزَّوْجَةُ إِلَيْهِ صَامِتَةً، ثُمَّ قَالَتْ: لَقَدْ أَغْلَقْتَ الدُّكَّانَ حِينَ اِخْتَفَى اِبْنُنَا. أَنْتَ لَمْ تَفْتَحْهُ مِنْذُ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلَمْ تُسَافِرْ لِأَجْلِ تِجَارَتِكَ أَبَدًا. يَجِبُ أَنْ نُبَاشِرَ أَعْمَالَنَا، وَنَصْبِرَ حَتَّى يَعُودَ وَلَدُنَا.

وَعَدَ التَّاجِرُ مَرْمَرُ زَوْجَتَهُ قَائِلًا: سَوْفَ أُسَافِرُ إِلَى الْعَاصِمَةِ، وَأَبْحَثُ عَنْهُ هُنَاكَ.

اِبْتَسَمَتِ الزَّوْجَةُ وَبَكَتْ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ؛ فَحَزِنَ التَّاجِرُ مَرْمَرُ؛ لَكِنَّهُ سَافَرَ فِي الْيَوْمِ التَّالِي وَتَرَكَ زَوْجَتَهُ وَحْدَهَا. سَافَرَ التَّاجِرُ مَرْمَرُ مَعَ أَحَدِ أَصْحَابِهِ التُّجَّارِ؛ وَاِشْتَرَكَ مَعَهُ فِي تِجَارَةٍ كَبِيرَةٍ. وَبَعْدَ رِحْلَةٍ طَوِيلَةٍ، وَصَلَا إِلَى الْعَاصِمَةِ، وَاِسْتَأْجَرَا مَتْجَرًا وَاسِعًا. عَمِلَ التَّاجِرُ مَرْمَرُ كُلَّ يَوْمٍ، مِنَ الصَّبَاحِ حَتَّى الْمَسَاءِ؛ وَكَانَ يَسْأَلُ كُلَّ قَادِمٍ عَنِ اِبْنِهِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَعْثُرْ عَلَيْهِ أَبَدًا. وَرَغْمَ هَذَا، لَمْ يَيْأَسِ التَّاجِرُ مَرْمَرُ أَبَدًا.

كَتَبَ التَّاجِرُ مَرْمَرُ إِلَى زَوْجَتِهِ رِسَالَةً كَيْ يَسْأَلَهَا عَنِ اِبْنِهِ، فَرَدَّتْ أَنَّهَا تَبْحَثُ عَنْهُ كُلَّ يَوْمٍ، وَتَسْأَلُ كُلَّ زَائِرٍ، وَكُلَّ سَائِحٍ، وَكُلَّ تَاجِرٍ؛ لَكِنْ لَمْ تَسْمَعْ عَنْهُ خَبَرًا أَبَدًا. حَزِنَ التَّاجِرُ مَرْمَرُ، لَكِنَّهُ لَمْ يَفْقِدِ الْأَمَلَ؛ وَكَانَ إِذَا شَعَرَ بِالإِحْبَاطِ وَالْيَأْسِ، عَمِلَ فِي الْمَتْجَرِ طَوِيلًا، وَرَتَّبَ الْبِضَاعَةَ، وَاِشْتَرَى بِضَاعَةً جَيِّدَةً وَجَدِيدَةً. وَبِسَبَبِ هَذَا، اِشْتَهَرَ الْمَتْجَرُ، وَعَرَفَ النَّاسُ أَنَّ بِضَاعَتَهُ هُوَ وَشَرِيكِهِ أَفْضَلُ بِضَاعَةٍ؛ فَأَصْبَحُوا يَتَرَدَّدُونَ عَلَيْهِم كَثِيرًا، حَتَّى كَثُرَ مَالُهُمَا، وتَعَاظَمَ رِبْحُهُمَا، وَاِتَّسَعَ مَتْجَرُهُمَا. كَانَ نَجَاحُ التَّاجِرِ مَرْمَرَ فِي تِجَارَتِهِ يُحَفِّزُهُ وَيَغْسِلُ قَلْبَهُ مِنَ الْيَأْسِ؛ فَكَانَ يَكْتُبُ إِلَى زَوْجَتِهِ كَيْ يُبَشِّرَهَا أَنَّ تِجَارَتَهُ نَاجِحَةٌ، وَأَنَّهُ لَا يَزَالُ يَبْحَثُ عَنِ اِبْنِهِمَا؛ ثُمَّ يَسْأَلُهَا إِنْ كَانَ هُنَالِكَ خَبَرٌ عَنِ اِبْنِهِمَا، لَكِنَّ زَوْجَتَهُ كَانَتْ تُرْسِلُ إِلَيْهِ رَسَائِلَ قَصِيرَةً، تَكْتُبُ فِيهَا: اِبْنُنَا لَمْ يَعُدْ.

وَبَعْدَ مُدَّةٍ، اِنْقَطَعَتْ رَسَائِلُ زَوْجَتِهِ تَمَامًا. ظَنَّ التَّاجِرُ مَرْمَرُ أَنَّ زَوْجَتَهُ حَزِينَةٌ جِدًّا، وَلَا تُشَارِكُهُ سَعَادَتَهُ فِي نَجَاحِ تِجَارَتِهِ؛ فَلَمْ يَلُمْهَا. اِنْتَظَرَ التَّاجِرُ رَسَائِلَ زَوْجَتِهِ طَوِيلًا حَتَّى بَدَأَ الْقَلَقُ يَتَسَلَّلُ إِلَى نَفْسِهِ. اِعْتَقَدَ التَّاجِرُ مَرْمَرُ أَنَّهُ رَكَّزَ عَلَى تِجَارَتِهِ، وَأَهْمَلَ حُزْنَ زَوْجَتِهِ. أَدْرَكَ التَّاجِرُ مَرْمَرُ أَنَّهُ سَوْفَ يَخْسَرُ زَوْجَتَهُ إِنْ أَهْمَلَهَا، كَمَا خَسِرَ اِبْنَهُ مِنْ قَبْلُ.

قَرَّرَ التَّاجِرُ مَرْمَرُ أَنْ يَعُودَ إِلَى مَدِينَتِهِ، فَأَخْبَرَ شَرِيكَهُ، وَشَرَحَ لَهُ أَنَّ عَائِلَتَهُ أَهَمُّ مِنَ الْمَالِ. قَالَ التَّاجِرُ مَرْمَرُ: سَأَظَلُّ أَعْمَلُ هُنَا سَنَوَاتٍ طَوِيلَةً حَتَّى أَنْسَى أَنَّ اِبْنِيَ مَفْقُودٌ؛ وَسَوْفَ أَفْرَحُ بِرُؤْيَةِ الْمَالِ يَزْدَادُ، وَالْمَتْجَرُ يَتَّسِعُ، وَالزَّبَائِنُ يَأْتُونَ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ؛ وَسَوْفَ أَنْسَى حُزْنَ زَوْجَتِي. وَحِينَ أَعُودُ، لَنْ أَجِدَ سِوَى بَقَايَا زَوْجَتِي وَقَدْ أَكَلَهَا الْحُزْنُ. يَجِبُ عَلَيَّ أَنْ أَجِدَ اِبْنِيَ، وَأَنْ أُسْعِدَ زَوْجَتِي. حِينَ يَحْصُلُ ذَلِكَ، سَوْفَ أَعُودُ إِلَى الْعَمَلِ.

بَاعَ التَّاجِرُ مَرْمَرُ نَصِيبَهُ لِشَرِيكِهِ التَّاجِرِ، ثُمَّ جَهَّزَ أَمْتِعَةً قَلِيلَةً وَسَافَرَ. قَرَّرَ التَّاجِرُ مَرْمَرُ أَنْ يَمُرَّ عَلَى كُلِّ بَلْدَةٍ فِي الطَّرِيقِ، وَيَسْأَلَ عَنِ اِبْنِهِ. كَانَ التَّاجِرُ مَرْمَرُ يُسَافِرُ مَشْيًا عَلَى الْأَقْدَامِ، أَوْ يَرْكَبُ عَرَبَةً، أَوْ يَرْكَبُ حِصَانًا؛ وَيَتَوَقَّفُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ؛ لَكِنَّهُ لَمْ يَجِدِ اِبْنَهُ. قَطَعَ التَّاجِرُ مَرْمَرُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الطَّرِيقِ، ثُمَّ شَعَرَ بِالْيَأْسِ؛ لَكِنَّهُ خَافَ أَنْ يَعُودَ إِلَى بَلْدَتِهِ دُونَ اِبْنِهِ. تَخَيَّلَ التَّاجِرُ مَرْمَرُ زَوْجَتَهُ الْحَزِينَةَ؛ فَحَزِنَ وَتَأَلَّمَ.

أَوْقَفَ التَّاجِرُ مَرْمَرُ حِصَانَهُ قُرْبَ حَقْلٍ أَخْضَرَ، ثُمَّ نَزَلَ كَيْ يَسْتَرِيحَ، وَتَرَكَ الْحِصَانَ يَرْعَى. تَمَدَّدَ التَّاجِرُ مَرْمَرُ تَحْتَ شَجَرَةٍ كَثِيفَةِ الظِّلِ، وَنَامَ. رَأَى التَّاجِرُ مَرْمَرُ حُلُمًا جَمِيلًا. رَأَى التَّاجِرُ مَرْمَرُ اِبْنَهُ وَزَوْجَتَهُ، وَهُمَا يَضْحَكَانِ؛ فَقَامَ مِنْ نَوْمِهِ وَالْحُزْنُ وَالْفَرَحُ يَخْتَلِطَانِ فِي نَفْسِهِ؛ فَشَجَّعَ نَفْسَهُ قَائِلًا: الصَّبْرُ مِفْتَاحُ الْفَرَجِ. اِصْبِرْ وَسَوْفَ تَجِدُ مَا تَبْحَثُ عَنْهُ… سَوْفَ تَجِدُ اِبْنَكَ، يَا مَرْمَرُ!

خَفَّ الْحُزْنُ فِي نَفْسِ التَّاجِرِ مَرْمَرَ، فَقَامَ وَمَشَى إِلَى حِصَانِهِ؛ لَكِنَّهُ تَعَثَّرَ بِشَيْءٍ فِي الْأَرْضِ، وَوَقَعَ. نَهَضَ التَّاجِرُ مَرْمَرُ، وَنَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ، فَرَأَى بَيْنَ الْعُشْبِ حِزَامًا أَزْرَقَ، فَمَدَّ يَدَهُ وَأَخَذَهُ. كَانَ فِي الْحِزَامِ جُيُوبٌ كَثِيرَةٌ، وَكَانَ ثَقِيلًا جِدًّا؛ فَاِسْتَغْرَبَ التَّاجِرُ مَرْمَرُ، وَقَرَّرَ أَنْ يَفْتَحَ أَحَدَ الْجُيُوبِ وَيَنْظُرَ مَا فِيهِ. فَتَحَ التَّاجِرُ مَرْمَرُ الْجَيْبَ، فَسَقَطَ مِنْهُ أَلْفُ دِينَارٍ ذَهَبِيٍّ عَلَى الْعُشْبِ، وَلَمَعَ الذَّهَبُ تَحْتَ ضَوْءِ الشَّمْسِ.

نَظَرَ التَّاجِرُ مَرْمَرُ إِلَى الذَّهَبِ طَوِيلًا، وَأَحَسَّ بِالْفَرَحِ فِي نَفْسِهِ؛ لَكِنَّهُ جَمَعَهُ وَأَعَادَهُ إِلَى الْحِزَامِ، وَهُوَ يَقُولُ: هَذَا الْمَالُ لَيْسَ لِي؛ وَلَا يَجِبُ أَنْ أَنْظُرَ إِلَيْهِ. أَنَا مُتَأَكِّدٌ أَنَّ صَاحِبَ الْحِزَامِ حَزِينٌ عَلَى هَذَا الْمَالِ مِثْلَمَا أَنَا حَزِينٌ عَلَى اِبْنِي.

ظَنَّ التَّاجِرُ مَرْمَرُ أَنَّ صَاحِبَ الْحِزَامِ سَوْفَ يَبْحَثُ فِي كُلِّ الْأَمَاكِنِ الَّتِي ذَهَبَ إِلَيْهَا؛ فَقَرَّرَ أَنْ يَنْتَظِرَ أَسْفَلَ الشَّجَرَةِ حَتَّى يَعُودَ صَاحِبُ الْحِزَامِ. اِنْتَظَرَ التَّاجِرُ مَرْمَرُ يَوْمَيْنِ طَوِيلَيْنِ؛ لَكِنَّ أَحَدًا لَمْ يَحْضِرْ. فِي النِّهَايَةِ، قَرَّرَ التَّاجِرُ مَرْمَرُ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أَقْرَبِ بَلْدَةٍ وَيَسْتَرِيحَ فِي أَحَدِ الْفَنَادِقِ. قَرَّرَ التَّاجِرُ مَرْمَرُ أَنْ يَبْحَثَ عَنْ صَاحِبِ الْحِزَامِ، وَقَالَ لِنَفْسِهِ: كُنْتُ أَبْحَثُ عَنْ وَاحِدٍ، وَأَصْبَحْتُ أَبْحَثُ عَنِ اِثْنَيْنِ.

جَلَسَ التَّاجِرُ مَرْمَرُ فِي صَالَةِ الْفُنْدُقِ، وَظَلَّ يَنْظُرُ إِلَى النَّاسِ، وَهُوَ يُفَكِّرُ؛ ثُمَّ اِقْتَرَبَ مِنْهُ رَجُلٌ، وسَأَلَهُ: هَلْ أَنْتَ تَاجِرٌ؟

نَظَرَ التَّاجِرُ مَرْمَرُ إِلَى الرَّجُلِ طَوِيلًا، ثُمَّ أَجَابَ: نَعَمْ.

اِقْتَرَبَ الرَّجُلُ مِنْهُ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَاجِرٌ أَيْضًا، ثُمَّ جَلَسَ مَعَهُ وَتَكَلَّمَا عَنْ أُمُورِ التِّجَارَةِ طَوِيلًا. شَعَرَ التَّاجِرُ مَرْمَرُ بِالرَّاحَةِ مَعَ صَاحِبِهِ الْجَدِيدِ؛ لَكِنَّهُ لَمْ يُخْبِرْهُ عَنْ اِبْنِهِ الْمَفْقُودِ، أَوِ الْحِزَامِ الْأَزْرَقِ؛ وَظَلَّ الْكَلَامُ عَنِ التِّجَارَةِ فَقَطْ. وَفِي النِّهَايَةِ، قَالَ التَّاجِرُ الْغَرِيبُ: سَوْفَ أُغَادِرُ إِلَى بَيْتِي صَبَاحَ الْغَدِ. بَيْتِي فِي الْبَلْدَةِ الْمُجَاوُرَةِ. مَا رَأْيُكَ أَنْ تَأْتِيَ مَعِي وَتَبِيْتَ عِنْدِي بِضْعَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ تُوَاصِلُ طَرِيقَكَ إِلَى بَلْدَتِكَ؟

وَافَقَ التَّاجِرُ مَرْمَرُ عَلَى اِقْتِرَاحِ صَاحِبِهِ التَّاجِرِ، فَحَمَلَ أَمْتِعَتَهُ وَسَافَرَ مَعَهُ. ظَلَّ التَّاجِرَانِ يَتَكَلَّمَانِ طَوَالَ الطَّرِيقِ، حَتَّى تَنَهَّدَ التَّاجِرُ قَائِلًا: إِنَّ صُحْبَتَكَ مُمْتِعَةٌ، يَا مَرْمَرُ. لَقَدْ خَفَّفَتْ صُحْبَتُكَ أَلَمِي. لَقَدْ سَافَرْتُ مُدَّةً طَوِيلَةً حَتَّى جَمَعْتُ مَالًا كَثِيرًا، وَحَمَلْتُهُ مَعِي فِي حِزَامٍ أَزْرَقَ، ثُمَّ قَرَّرْتُ أَنْ أَعَوْدَ إِلَى الْوَطَنِ. أَتَعْلَمُ مَا حَدَثَ، يَا صَاحِبِي؟ لَقَدْ ضَاعَ كُلُّ ذَلِكَ الْمَالِ! ضَاعَ كُلُّ التَّعَبِ!

نَظَرَ التَّاجِرُ مَرْمَرُ إِلَى صَاحِبِهِ مُنْدَهِشًا، ثُمَّ سَأَلَهُ كَيْ يَتَأَكَّدَ: وَكَيْفَ ضَاعَ مِنْكَ؟ وَأَيْنَ؟

أَجَابَ التَّاجِرُ الْحَزِينُ: كَانَ حِزَامًا ثَقِيلًا – كَمَا أَخْبَرْتُكَ. وَبِسَبَبِهِ، قَرَّرْتُ أَنْ أَسْتَرِيحَ مِنْ عَنَاءِ السَّفَرِ؛ فَجَلَسْتُ تَحْتَ شَجَرَةٍ، وَنَزَعْتُ الْحِزَامَ عَنِّي. نِمْتُ بَعْدَ دَقَائِقَ، لَكِنِّي سَمِعْتُ أَصْوَاتًا صَاخِبَةً حَوْلِي؛ فَخِفْتُ أَنْ يَكُونُوا لُصُوصًا. قُمْتُ، وَهَرَبْتُ بِسُرْعَةٍ، وَنَسِيتُ الْحِزَامَ وَرَائِي.

سَأَلَهُ التَّاجِرُ مَرْمَرُ: وَلِمَاذَا لَمْ تَعُدْ لِتَأْخُذَهُ؟

أَجَابَ التَّاجِرُ: خِفْتُ أَنْ أَعُودَ فَأَجِدَ اللُّصُوصَ هُنَاكَ، فَأَخْسَرُ حَيَاتِي كَمَا خَسِرْتُ مَالِي. وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي، قُلْتُ لِنَفْسِي لَا فَائِدَةَ مِنَ الْعَوْدَةِ؛ لِأَنَّنِي مُتَأَكِّدٌ أَنَّ اللُّصُوصَ قَدْ أَخَذُوهُ.

تَنَهَّدَ التَّاجِرُ مَرْمَرُ، وَمَدَّ يَدَهُ إِلَى أَمْتِعَتِهِ، وَأَخْرَجَ الْحِزَامَ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ هَذَا حِزَامُكَ، يَا صَاحِبِي؟

الْتَفَتَ التَّاجِرُ إِلَى مَرْمَرَ، فَرَأَى حِزَامَهُ. أَخَذَ الْحِزَامَ مِنْهُ فَرِحًا، وَفَتَحَ جُيُوبَهُ سَعِيدًا ضَاحِكًا. حَكَى التَّاجِرُ مَرْمَرُ لِصَاحِبِهِ مَا حَدَثَ، فَشَكَرَهُ التَّاجِرُ كَثِيرًا، وَهُوَ يَكَادُ أَنْ يَبْكِيَ؛ ثُمَّ قَالَ: أَنْتَ رَجُلٌ أَمِينٌ، وَلَا أَعْرِفُ كَيْفَ أَشْكُرُكَ! خُذْ هَذِهِ النُّقُودَ! خُذْ مَائَةَ دِينَارٍ مُكَافَأَةً لَكَ. أَنَا لَا أَعْرِفُ كَيْفَ أَشْكُرُكَ!

رَفَضَ التَّاجِرُ مَرْمَرُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ، فَقَالَ التَّاجِرُ السَّعِيدُ: لَكِنْ كَيْفَ أَشْكُرُكَ؟ هَلْ عِنْدَكَ وَلَدٌ لِأُزَوِّجَهُ اِبْنَتِي؟

حَزِنَ التَّاجِرُ مَرْمَرُ، وَحَكَى لِصَاحِبِهِ قِصَّةَ اِبْنِهِ الْمَفْقُودِ. نَظَرَ التَّاجِرُ إِلَى مَرْمَرَ الْحَزِينِ طَوِيلًا، ثُمَّ وَاسَاهُ، وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُتَابِعَا السَّيْرَ إِلَى بَيْتِهِ. وَحِينَ وَصَلَا، نَادَى التَّاجِرُ اِسْمَ وَلَدٍ. وَحِينَ جَاءَ الْوَلَدُ، قَالَ لَهُ التَّاجِرُ: اُدْخُلْ وَسَلِّمْ عَلَى ضَيْفِيَ التَّاجِرِ مَرْمَرَ.

رَفَعَ التَّاجِرُ مَرْمَرُ بَصَرَهُ إِلَى الْوَلَدِ، فَرَأَى أَنَّهُ اِبْنُهُ؛ فَصَاحَ: هَذَا اِبْنِي! وَهَذَا اِسْمُ اِبْنِي! أَهَذَا اِبْنِي حَقًّا؟ لَقَدْ شَعَرْتُ بِأَلَمٍ شَدِيدٍ حِينَ سَمِعْتُكَ تُنَادِي اِسْمَ اِبْنِي! أَهُوَ اِبْنِي؟

اِقْتَرَبَ التَّاجِرُ مَرْمَرُ مِنَ الْوَلَدِ، فَعَرَفَ الْوَلَدُ أَبَاهُ، وَبَكَى. قَالَ التَّاجِرُ: نَعَمْ، هَذَا اِبْنُكَ، يَا صَاحِبِي. قَبْلَ سَنَوَاتٍ، جَاءَ إِلَيَّ رَجُلٌ، وَطَلَبَ مِنِّي أَنْ أُقْرِضَهُ مَالًا، وَتَرَكَ هَذَا الْوَلَدَ عِنْدِي أَمَانَةً حَتَّى يَرُدَّ الدَّيْنَ؛ لَكِنَّهُ لَمْ يَعُدْ؛ فَضَمَمْتُ الْوَلَدَ إِلَى عَائِلَتِي وَاِعْتَنَيْتُ بِهِ. لَقَدْ أَخْبَرَنِي الْوَلَدُ عَنِ اِسْمِ أَبِيهِ، وَأَخْبَرَنِي كُلَّ مَا حَدَثَ مَعَهُ وَأَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ خَطَفَهُ. وَحِينَ رَأَيْتُكَ فِي الْفُنْدُقِ، وَجَدْتُ شَبَهًا كَبِيرًا بَيْنَكُمَا؛ فَقَرَّرُتُ أَنْ أُكَلِّمَكَ وَأَعْرِفَ قِصَّتَكَ؛ لَكِنَّكَ لَمْ تَتَكَلَّمْ أَبَدًا؛ فَقَرَّرْتُ أَنْ أَدْعُوَكَ إِلَى مَنْزِلِي كَيْ يَتَعَرَّفَ عَلَيْكَ اِبْنُكَ.

عَانَقَ التَّاجِرُ مَرْمَرُ اِبْنَهُ، وَشَكَرَ صَاحِبَهُ طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ أَعْظَمُ مُكَافَأَةٍ. ثُمَّ مَكَثَ فِي بَيْتِ صَاحِبِهِ أُسْبُوعًا كَامِلًا قَبْلَ أَنْ يَعُودَ إِلَى بَلْدَتِهِ مَعَ اِبْنِهِ كَيْ يُسْعِدَ زَوْجَتَهُ الْحَزِينَةَ.

Ibnulyemen Arabic

Recent Posts

الْفُسْتَانُ الْمَصْلُوب

الْفُسْتَانُ الْمَصْلُوب هاجر منصور سراج  29 إبريل،  2025 الفستان الأحمر مرصع بخرزات لامعة، والتاج الصغير…

18 hours ago

انْتِظَارٌ خَائِب

انْتِظَارٌ خَائِب هاجر منصور سراج  24 إبريل،  2025 كنتُ قَلقًا. وطوال الطريق إلى المدينة، أخذ…

18 hours ago

أَخْبَرَهَا الظِّلُ

أَخْبَرَهَا الظِّلُ هاجر منصور سراج  22 إبريل،  2025 تجهل الفتاة هوية الظل! يخبرها دائمًا أنَّه…

18 hours ago

الرواية اليمنية بين الماضي والحاضر

الرواية اليمنية بين الماضي والحاضر هاجر منصور سراج  19 إبريل، 2025 تعد الرواية فنًا إبداعيًا…

19 hours ago

أين تختفي الأشياء؟

أين تختفي الأشياء؟ هاجر منصور سراج  17 إبريل،  2025 أين تمكث الرياح حين لا تهب؟…

2 weeks ago

هِي خَائِفَة

هِي خَائِفَة هاجر منصور سراج  15 إبريل،  2025 تخرج العصافير كل يومٍ من مكامنها في…

2 weeks ago